رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهيئة الوطنية للانتخابات الديمقراطية

في عصر أصبح جوهر الديمقراطية موضع تساؤل في كثير من الأحيان؛ تلعب نزاهة الأنظمة الانتخابية دورًا بالغ الأهمية. وفي مصر، تقع مسئولية هذه النزاهة في يدي الهيئة الوطنية للانتخابات. وبينما تستعد مصر لثالث انتخابات بعد ثورة الـ30 من يونيو، فمن المهم فهم وتقدير الدور الديناميكي الذي لعبته الهيئة في تنظيم هذا النجاح.

عمليات الهيئة الوطنية للانتخابات تتم بنهج ذي شقين: توفير الضمانات القانونية، وتأكيد الضمانات التشغيلية. تشكل الضمانات القانونية، المتجذرة في الأطر الدستورية والتشريعية للدولة، الأساس الذي تقوم عليه العمليات الانتخابية. وتضمن هذه الضمانات أن يكون لكل مواطن مؤهل الحق في التصويت وأن صوته محمي من أي تأثيرات خارجية أو تناقضات داخلية. وهو ما أكدته الهيئة بالوقوف على مسافة واحدة من جميع المرشحين، وتعهد الهيئة بأن تكفل لراغبي الترشح إعمال حقهم كاملًا.

ومن ناحية أخرى، فإن الضمانات التشغيلية هي التعهدات اللوجستية والمنهجية التي تترجم الأحكام القانونية إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع. ومن خلال تشابك هذه الجوانب بسلاسة، تضمن الهيئة الوطنية للانتخابات أن العملية الانتخابية ليست سليمة من الناحية النظرية فحسب، بل قابلة للتنفيذ بشكل عملي أيضًا. وهو ما تأكد من خلال تجهيز 10 آلاف و85 لجنة سيتم إجراء الانتخابات بها، ورفع كفاءة موقع الاستعلام عن الموقف الانتخابي لاستخدام أكثر من 180 ألف مستخدم في الدقيقة الواحدة.

إن العملية الديمقراطية، بغض النظر عن مدى تحصينها قانونيًا، ستفشل إذا لم يكن هناك التزام ثابت بالحياد. وتركيز الهيئة الوطنية للانتخابات المستمر على السلوك المحايد ليس مجرد لفتة أدائية، بل هو روح تأسيسية. وأفضل مثال على ذلك هو التنفيذ الدءوب للسلطة للإشراف القضائي الكامل في كل مرحلة من مراحل العملية الانتخابية. ومن خلال ضمان قيام السلطة القضائية، وهي هيئة مستقلة، بالإشراف على الانتخابات، تكرس الهيئة الوطنية للانتخابات الحياد وتحمي العملية من التأثيرات السياسية المحتملة.

الهيئة الوطنية للانتخابات

والبيئة الديمقراطية النابضة بالحياة هي تلك التي يلعب فيها العديد من أصحاب المصلحة دورًا نشطًا. وإدراكًا لهذه الحقيقة، تعاونت الهيئة الوطنية للانتخابات مع مختلف أصحاب المصلحة، وأبرزها الصحافة والإعلام المحلي والإقليمي والدولي من جهة، ومنظمات المجتمع المدني وممثلو ومندوبو المرشحين من ناحية أخرى، ما يعزز طبقة أخرى من التدقيق، وبالتالي تضخيم الشفافية والمصداقية. وهذا التآزر، حيث تعمل جميع الأطراف كشاهد ومدقق في نفس الوقت، يعزز بيئة انتخابية تتسم بالمساءلة والمصداقية.

كما أن العملية برمتها بداية من تسجيل المرشحين إلى فرز الأصوات، كل مرحلة مفتوحة للتدقيق. ويمتد هذا الالتزام إلى الجهود التعاونية التي تبذلها الهيئة مع مختلف الوزارات والمؤسسات، تضمن الهيئة الوطنية للانتخابات الحفاظ على حقوق المرشحين وحصول الناخبين على معلومات دقيقة، في الوقت المناسب.

أخيرًا فإن التزام الهيئة الوطنية للانتخابات بمزج الأطر القانونية مع التدابير العملية، مع الحفاظ على المعايير الذهبية للحياد والشفافية، هو شهادة على مرونة ونضج النسيج الديمقراطي في مصر. إنه احتفال ليس بالانتخابات فحسب، بل بالنظام الذي يحمل وعد الديمقراطية في خطواته المتأنية، هذا الاحتفال لن يتم دون مشاركة شعبية جارفة في الانتخابات تحمي تلك الأطر، وتضع معيارًا جديرًا بالثناء والاحترام في جميع أنحاء العالم.