رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوثائقية.. مستودع أسرار التاريخ

فى عصر رقمى يتخلله مد وجزر المعلومات المضللة والمحتوى العابر، يصبح السعى وراء الأصالة تحديًا وضرورة فى نفس الوقت. وكانت مصر، باعتبارها بوتقة الحضارات، حساسة بشكل خاص لتشوهات سردها التاريخى. فجاءت قناة «الوثائقية»، القناة الرائدة فى مصر، بمثابة شهادة على التزام مصر الثابت بالحفاظ على ماضيها ضد هجمة التلفيقات.
بالنسبة للمثقفين، «الوثائقية» ليست مجرد قناة؛ إنها مستودع، كبسولة زمنية تروى حكايات العصور الماضية، مقدمة بتفاصيل حية وآسرة. لتعيد تعريف الحدود بين المشاهد والتاريخ، وتقدم جسرًا مباشرًا ونقيًا لسجلات التراث المصرى. أما بالنسبة للمواطن، فهى بمثابة شاهد على حاضره، ترصد متغيراته، وحكاياته، التى غالبًا ما تكمن فى الظل.
وإذا كانت الصحافة هى المسودة الأولى للتاريخ، فإن الأفلام الوثائقية هى المراجعات المتعمقة التى تجلب الوضوح والسياق، وقناة «الوثائقية» تمكنت، خلال عمرها الذى لم يتخط عامًا حتى الآن، أن تكشف عن شهادات وأسرار على ألسنة المصريين، لم نكن لنسمع بها لولا وجود الباحثين عن المحتوى المعمّق فى عالم عابر، كمن ينقب عن الذهب وسط صخور الجبال.
هكذا فقط، وبذلك المنهج وحده، أخرجت لنا القناة أعمالًا رائعة مثل فيلم «أسامة أنور عكاشة»، وسلسلة «حتى لا تكون آفة حارتنا النسيان»، وفصولًا جديدة من التاريخ المصرى مثل تفاصيل أول لقاء جمع بين سعد زغلول وفخرى عبدالنور، كما ننتظر منها سلسلة «أنا حاربت إسرائيل»، التى تحمل شهادات لضباط وجنود شاركوا فى حرب أكتوبر، وتبث بمناسبة نصف قرن على الحرب.
قيمة القناة «الوثائقية» لا تكمن فقط فى القصص التى ترويها، بل فى العقول التى تفتحها، والأصوات الخافتة التى سمعناها رغم صخب المحتوى العابر، ومنارة تضىء الحقائق وسط ظلام المعلومات المضللة، وسعيها الدائم لتأكيد شخصية وهوية ووعى مصر، عبر قراءة متأنية لماضٍ متعدد الأوجه.
«الوثائقية» أمام اختبار ضخم بحجم مصر، وإذا كانت مصر واحدة من أعظم الحضارات فى التاريخ بما تحمله من أثر كبير فى تطور الإنسانية، فإن قناة «الوثائقية» تحمل عبء الحفاظ على هذا التاريخ فى مواجهة طوفان الأخبار الكاذبة، وإرضاء الفضول اللامتناهى للروح الإنسانية ورغبتنا فى فهم العالم من حولنا.