رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبواب لطيفة الزيات

للدكتورة لطيفة الزيات «٨ أغسطس ١٩٢٣- ١١ سبتمبر ١٩٩٦» منزلة كبيرة فى وجدان الحركة الوطنية والثقافية، لأنها صاحبة مسيرة صادقة ونقية، انخرطت فى العمل الوطنى فى وقت مبكر، اختارت الماركسية، وقالت إن ارتباطها بها كان عاطفيًا، هى من عائلة دمياطية كانت تحترف التجارة بين مصر والشام، وكان والدها موظفًا فى الشئون البلدية والقروية «الإدارة المحلية»، وتنقلت معه فى بلدان كثيرة، وكبر عقلها مع مخالطة الناس وإدراكها همومهم، وبدأت تبحث عن أسباب الفقر والجوع، وأسباب التفاوت بين شرائح المجتمع، فقد كانت الفترة التى تشكل وعيها خلالها فى غاية الصعوبة، وكانت شريحة الموظفين تعيش عيشة قاسية، وكانت الحرب العالمية الثانية قد انتهت، وتصاعدت الدعوات المطالبة بإعادة تقسيم الثروة، اختار الطلبة والطالبات لطيفة لتكون «سكرتيرة اللجنة الوطنية للطلبة والعمال» سنة ١٩٤٦. روايتها «الباب المفتوح» هى أحد الأبواب التى تدخلنا إلى عالمها لنفهم شخصيتها وأفكارها، قالت عنها إنها رواية تشرح ما حدث فى المجتمع المصرى خلال عشر سنوات تبدأ من العام «١٩٤٦» وتنتهى فى العام «١٩٥٦»، وهذه السنوات العشر كانت «ليلى»، بطلة الرواية، تخوض خلالها معركة «الذات» ومعركة «الوطن»، ولو تأملنا هذه السنوات سنجد أنها شهدت أحداثًا كبرى، ففى العام «١٩٤٦» تصاعدت دعوات المطالبة بخروج الاحتلال الإنجليزى من مصر، وكان الشارع على «يسار» حزب الوفد الشعبى، فكانت النقابات واتحادات الطلبة هى التى تقود الشارع، وتقدم الطلبة فى جامعة فؤاد الأول والمدارس العليا والأزهر لقيادة الشارع الغاضب، وتم عقد تحالف مع «الطبقة العاملة»، وتشكلت «اللجنة الوطنية للطلبة والعمال»، وحاولت جماعة الإخوان اختراق النقابات العمالية وتطويعها لصالح أصحاب المصانع والشركات ومنع الإضرابات بدعوى أنها «حرام»، ولكن الطبقة العاملة المصرية كانت متأثرة بالطبقات العاملة الأوروبية وأجواء الحرب العالمية الثانية، فلم تنجح محاولات الإخوان، وتم إجبار الاحتلال البريطانى على إخلاء المدن المصرية من القوات والتمركز فى منطقة القنال. فشلت خطبتها من عبدالحميد عبدالغنى «الذى كان يكتب باسم عبدالحميد الكاتب»، لأنه لم يكن متحمسًا لأفكارها اليسارية، تزوجت بعد ذلك الدكتور فى كلية العلوم أحمد شكرى سالم، وتم اعتقالهما معًا، وانفصلا بعد الحكم عليه سبع سنوات وخروجها من القضية الشيوعية، بعد ذلك تزوجت الدكتور رشاد رشدى، يمينى المنشأ والفكر والسلوك، المعادى لليسار بشكل عام، وقالت بعد الهجوم عليها إنه «أول رجل يوقظ الأنثى بداخلى»، وحين اشتد الهجوم قالت جملتها الشهيرة: «الجنس أسقط الإمبراطورية الرومانية». «عودة الروح» لتوفيق الحكيم شكلت كما قالت شخصيتها الإبداعية، لأن تلك الرواية كانت تروى حياة المصريين فى زمن ثورة ١٩١٩، وكانت تمثل نقلة نوعية فى وعى المبدعين العرب. دراستها للأدب الإنجليزى، وحصولها على الماجستير والدكتوراه، ثم التحامها بالقضايا الجماهيرية ومشاركتها بالكتابة فى الصحف الشعبية وصحف النخبة، فرصة طيبة ليستفيد المجتمع من قدراتها النقدية والنضالية والإبداعية، فهى ابتداء من العام ١٩٥٢ انضمت لهيئة التدريس بكلية البنات جامعة عين شمس، وفى الوقت ذاته كانت مساهمة فى العمل الوطنى، بالرأى والمشاركة السياسية والحركية، وكانت تجتهد فى تقديم رؤى نقدية، ولها دراسات مهمة تناولت فيها روايات نجيب محفوظ، وكانت سبّاقة فى الاقتراب من رواياته فى ظل عداوة من جانب النقاد المحافظين، الذين اعتبروا روايات «اللص والكلاب والطريق والشحاذ» روايات ضعيفة، لكنها انتصرت لهذا التوجه الإبداعى. 

ورغم أن لطيفة الزيات كانت مشاركة فى النضال الوطنى والكتابة فى الصحف والكتابة الأدبية والنقدية، استطاعت الترقى الأكاديمى، حتى بلغت درجة «أستاذ الأدب الإنجليزى» وكتبت الروايات والمجموعات القصصية، فإلى جوار «الباب المفتوح» لها فى القصة القصيرة «الشيخوخة» وقصص أخرى، و«الرجل الذى عرف تهمته»، ومذكرات فى غاية العذوبة تحمل اسم «حملة تفتيش» ومسرحية «بيع وشراء»، بخلاف كتبها النقدية وترجماتها، وتولت المناصب الأكاديمية، فى أكاديمية الفنون وجامعة عين شمس، وكانت تشارك فى البرامج المتخصصة فى النقد من خلال إذاعة البرنامج الثانى، حجبت جائزة الدولة التشجيعية عن روايتها «الباب المفتوح» بسبب «الحوار المكتوب باللهجة العامية»، إلا أنها حصلت على جائزة الدولة التقديرية، وكانت طوال عهد عبدالناصر تحظى بالتقدير والتكريم، وفى عهد السادات توترت علاقتها مع النظام السياسى وجناحه الثقافى، ووقع الطلاق بينها وبين زوجها الساداتى رشاد رشدى، ولما قام السادات بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد أعلنت عن رفضها لها، واختارها المثقفون لتكون رئيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، وفى نهاية حكمه اعتقلها السادات مع العشرات من المثقفين الذين رفضوا توقيع اتفاقية الصلح مع إسرائيل. لطيفة الزيات عاشت ضميرًا للحياة الثقافية والحركة الوطنية، والاحتفال بمئويتها وذكرى رحيلها كان ينبغى أن يكون فرصة للاحتفال والتأكيد على المبادئ التى ناضلت من أجلها.. ألف رحمة ونور على روحها.