رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحديات وخونة!

تعودت أن أفرق بين المعارض الوطنى وبين الخائن بمعيار واحد.. الوطنى يُعادى أعداء بلده حتى لو اختلف مع رئيسها، والخائن يؤيد أعداء بلده بدعوى أنه معارض والحقيقة أنه- فى هذه الحالة- مجرد خائن.. هذه الأيام موسم كبير للمبالغات والتحديات والخيانات أيضًا، ولكن مصر كانت وستظل أكبر من الجميع.. من جهة التحديات فهى موجودة.. وليست بدعة.. لأن كل دولة فى العالم تواجه تحديات تمس أمنها القومى.. من روسيا إلى أمريكا ومن الصين إلى تايوان ومن الهند إلى اليابان ومن فرنسا إلى الجزائر.. ومن إسرائيل إلى النيجر مثلًا.. كل دولة تواجه تحديات مختلفة عن الأخرى وتواجهها وفق محددات أمنها القومى.. نزاع حدودى.. حرب باردة.. إرهاب.. مشاكل ديموغرافية.. أزمة تضخم.. إلخ.. وبالتالى فإن تصوير لجان الإرهاب لوجود التحديات على أنه دليل فشل ليس سوى جهل مدموغ بالخيانة، وليس سوى كيد مدموغ بالترخص، وليس سوى ابتذال مدموغ بالعمالة لمن لا يريد الخير لهذا البلد.. ولعله لا يوجد دليل على الخيانة أكبر من أن تجد لجان الإخوان، والخونة تعيد نشر تغريدات تنشرها حسابات المخابرات الإسرائيلية أو الإثيوبية أو غيرهما من الحسابات التابعة لهذه الدولة أو ذاك نكاية فى مصر وفى شعب مصر.. ولا يعنى هذا أن التحديات غير موجودة.. ولكن توحُّد بعض من يحملون جنسية مصر بالميلاد مع العدو هو أمر يثير الغضب والاشمئزاز أيضًا وإن كان ليس غريبًا أن سماها المصريون جماعة «الخوان» بدلًا من جماعة «الإخوان ».. من علامات الخيانة مثلًا احتفاء الذباب الإخوانى بتصريح رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد بانتهاء إثيوبيا من الملء الرابع و«الأخير» لسد النهضة.. وقد أصدرت الخارجية المصرية بيانًا يهاجم طريقة إثيوبيا وعدم تعاونها وهذا حق.. ولكن الحقيقة أن الضرر الواقع على مصر حتى الآن ضرر أدبى وليس ضررًا واقعيًا.. نحن معترضون وسنعترض على عدم تعاون إثيوبيا معنا واستشارتنا فى طريقة ملء السد، وهم يرون أن هذا شأن من شئون سيادتهم على أرضهم، هذا خلاف سيبقى وستتمسك فيه مصر بحقها إلى أن يشاء الله.. لكن الحقيقة التى لا يقولها أحد إن بحيرة ناصر خلف السد العالى مليئة بالمياه حتى آخرها وإن مفيض توشكى ملىء بالمياه حتى آخره، وإننا لا نقول هذا حتى لا نعطى إثيوبيا المبرر لطموح أكبر فى احتجاز المياه.. ولولا أن هذه الحقائق معروفة لصانع القرار لكان لكل حادث حديث.. ولكن لماذا نتخذ إجراءً وبحيرتنا مليئة بالمياه؟ وهل سيقبل العالم منا ذلك؟ ثم إن رئيس الوزراء الإثيوبى تحدث عن الملء الرابع ووصفه بـ«الأخير» ولهذا تفسيرات عديدة.. فإذا كان السد قد امتلأ فعلًا فهذا يعنى أنه لا مكان خلفه لمزيد من المياه فى العام القادم وستصلنا حصتنا كاملة، وإذا كان الإثيوبيون يعتزمون تعلية السد مرة أخرى فالوساطات المختلفة تعمل فى مسارها لنعرف هل سيكون هناك ضرر أم لا.. لكن ما ألحظه من دراستى لجماعة «الخونة» أنها تبنى استراتيجيتها منذ الأربعينيات على المزايدة اليومية على الدولة المصرية، وجعل المواطن المصرى يشعر بالعار يوميًا لأنه ليس فى بطولة وشجاعة الفاتحين الأوائل.. الذين فتحوا العالم مرة واحدة فى ظرف معين ثم تغير الظرف فلم يعد هناك فتح ولا يحزنون.. جماعة الخونة تقنع المواطن بأن الدولة مقصرة بل و«خائنة» لأنها لا تحارب فى الشرق والغرب ولا تحرر فلسطين ولا تضرب إثيوبيا ولا تغزو السودان ولا تناصر مسلمى الإيجور ولا تدعم مسلمى الروهينجا ولا تقاتل بجوار حماس.. وهى خطة إجهاد نفسى وتخريب مستمرة منذ تسعين عامًا حتى الآن.. لم تجعل المواطن يشعر أبدًا بأنه بخير وأن أمامه فرصًا مميزة للنمو فى بلد قل أن يوجد نظيره فى العالم سواء فى الموقع أو فى التنوع الجغرافى والإثنى أو التراكم الحضارى والتاريخى والإمكانات السياحية.. وما ينطبق على تحدى السد الإثيوبى الذى لم يؤثر علينا حتى الآن فى متر مياه مكعب واحد، ينطبق على ما تم إعلانه عن طريق جديد للبضائع بين الهند وأوربا مرورًا بالخليج وإسرائيل وهو حتى الآن مشروع سياسى لم تثبت له جدوى اقتصادية، ترعاه أمريكا وتموله مليارات الخليج بهدف تقوية الروابط مع إسرائيل عبر خط قطار برى.. من الناحية العملية فإن سفينة واحدة تعبر قناة السويس تحتاج إلى ٢٥٠ قطارًا لحمل ما تحتويه علمًا بأن البضائع ستنزل من الباخرة وتوضع على القطار ثم تنزل من القطار لتركب الباخرة مرة أخرى.. وهلم جرا.. من الوارد أن ينفق الإخوة فى الخليج بضع عشرات من المليارات لتحقيق هدف سياسى مثلًا.. أو إرضاء رغبة بايدن فى تحقيق تقدم فى ملف التطبيع بين الخليج وإسرائيل مثلًا، أو مساعدته على الإضرار بالصين كنوع من التوازن فى العلاقات بين القطبين.. لكن الأكيد أن هذا ليس هو التحدى الذى سيغلق قناة السويس أو التحدى الذى سيقتل مصر.. لأن مصر عندما تواجه تحدى الوجود سيكون لها حديث آخر كما يقول المثل الذائع.. لكل حادث حديث.. وليخسأ كل من يفرح فى تحد تواجهه مصر ولينعم بعاره فلا هو مصرى ولا يشرف مصر أن يحمل جنسيتها وسيلعنه المصريون إلى أبد الآبدين.