رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ونحن نحب صلاح.. تمت الصفقة أم لم تتم

انشغل المصريون والسعوديون طوال الأسابيع الأخيرة بقصة عرض فريق «اتحاد جدة» شراء خدمات نجم المنتخب المصرى محمد صلاح من فريقه البريطانى «ليفربول»، ومع طول المفاوضات، وتعثرها، ثم عودتها للظهور مرة أخرى، غرقت وسائل التواصل الاجتماعى فى محاولات للوصاية على قرار صلاح، وتحديد اختياراته، ثم سرعان ما تحولت فوضى الآراء والتعليقات إلى مشاحنات وصراع عجيب بين كثير من الأطراف «مصرية وسعودية وبريطانية»، التى تتفق فى معظمها على أنها «لا ناقة لها ولا جمل فى الأمر»، ولا أصل لها فى الواقع.

على الجانب الآخر، يقول النجم محمد صلاح فى أحد حواراته، وبعبارات شديدة الوضوح، إنه لا يتابع ما يقال عنه على مواقع التواصل الاجتماعى، ولا يهتم «نهائيًا» بالتعليقات والردود، ولا بغيرها، ويوضح السبب الرئيسى لموقفه هذا قائلًا إنه يعرف جيدًا أنه من الوارد جدًا إن «عيل صغير ماسك تليفون وبيتسلى مع أصحابه فى إحدى القرى، فيدخل يشتمك، أو يكتب لك تعليق مش كويس».

والحقيقة أننى على إعجابى بمهارات صلاح الكروية، و«التسويقية»، ومحبتى له على المستوى الإنسانى، تأثرت بتلك الحالة من النضج الاجتماعى، خصوصًا أن ما قاله هو عين الحقيقة التى لا يراها الغالبية العظمى من البشر، لا يدركها كتاب ومثقفون كبار «سنًا ومقامًا»، ومتصدرون كثيرون للعمل العام، إعلاميًا وسياسيًا وعلى المستويات كافة، وغيرهم كثير من الشرائح الاجتماعية ممن تضيع أعمارهم وأعينهم مسلطة تجاه تلك الشاشات البراقة، فى انتظار تعليق أو مشاركة، أو مجرد مشاهدة لما يبثون ويكتبون، بل يبنون حياتهم كلها على عدد تلك الممارسات «الافتراضية»، التى لا تعنى أى شىء فى غالبية الأحيان، فتفوتهم فرصة الحياة الحقيقية، الفعلية، وتمر السنوات بهم، وهم فى حال وجود افتراضى، غير منتج ولا فعال، ربما يحقق البعض أرباحًا مما يبثونه على تلك المواقع، لكن القاسم المشترك بين ما يبثونه من مواد تدر أرباحًا، هو البلاهة المفرطة، التى يراها البعض مجرد مشاهد كوميدية مثيرة للضحك والسخرية ممن يبثونها، بينما الحقيقة أنهم هم من يسخرون منهم، ويتعايشون على ضحكاتهم وسخريتهم تلك، فواقع الأمر أنه منذ أصبح الهاتف «ذكيًا» وفق تسمية شركات إنتاجه، وهو غارق فى البلاهة والحماقة، اللهم إلا ما ندر من صفحات لشخصيات جادة، تحترم ذواتها ومتابعيها وما تقوم به من أعمال، فلا تهتم بتدفقات «الأموال» التى تتساقط من السماء، ولا تقيم لها أى اعتبار، لأنها تعرف كيف تحيا، ولك أن تحاول مراقبة ما يحدث من حولك، فى المطعم، فى الميكروباص، فى الأتوبيس، التاكسى، حتى فى المكتبة، أو «حوش المدرسة».. لن تجد راشدًا أو عاقلًا يتحرك وعيناه معلقتان بشاشة هاتفه المحمول، لن تجد شخصًا مشغولًا بعمله يقتل الوقت فى التقليب بين فيديوهات «تيك توك» أو «إنستجرام»، أو «يوتيوب» أو «فيسبوك»، ولا يستهلك عقله فى التفكير فى لعبة «الثعبان» أو «كاندى كراش»، أو غيرهما من ألعاب أحدث وأكثر جاذبية، بينما تتعلق بها عيون الأطفال والمراهقين والهاربين من مواجهة الحياة الحقيقية.

وبالأمس القريب كتب أحدهم، يسمى نفسه على موقع التغريدات القصيرة «صقر عظيم»: «اشتروا الموسيقيين المصريين، اشتروا المغنين والفنانين المصريين، اشتروا أثريين مصريين، اشتروا إعلاميين مصريين، أخدوا ثقافات مصرية، هيموتوا على صلاح.. اللى هيعمل لدوريهم أعلى مشاهدات هم الجمهور المصرى»، فرد عليه الأمير عبدالرحمن بن مساعد بن عبدالعزيز قائلًا: «نحترم مصر ونجلها (أكثر منك بالتأكيد)، فنحن لا نرى أن الموسيقيين المصريين يباعون لنشتريهم، ولا نرى أن المغنين والفنانين المصريين يباعون لنشتريهم، ولا نرى أن الإعلاميين المصريين يباعون لنشتريهم، أما الثقافة المصرية فنستفيد منها نعم، ونفخر بها، مثلما نستفيد من أى ثقافة فى العالم، ولذلك نمضى بخطى سريعة فى التطور والنمو والتقدم، ولا نشغل نفسنا بمراقبة ما يفعله غيرنا، بل ننشغل فى تطوير بلادنا وشعبنا، ولذلك تقدمنا ونتقدم وسنتقدم أكثر بعون الله وفضله، ثم بعزيمة شعب عظيم وقيادة عظيمة، أما بالنسبة للاعب الكبير محمد صلاح، فنحن لا نسعى لشرائه، بل لشراء عقده الذى بيع لأكثر من ناد منذ أن كان فى نادى المقاولون إلى أن وصل إلى (ليفربول)، وأصبح من أهم لاعبى العالم، لذلك سعينا لشراء عقده، ليسهم فى الخطة الموضوعة لجعل الدورى السعودى من أهم خمسة دوريات فى العالم، وسيكون كذلك وستراه وستعلق عليه بتعليق يفوق حنق تعليقك هذا، إن جاء صلاح سيضيف للدورى السعودى، وسنسعد به بين أهله، وفى بلده، وإن لم يأت، لن يتأثر المشروع الرياضى السعودى، وستتحقق أهدافه بعون الله.. ورغم أنفك.. كل الاحترام والحب والتقدير لمصر، وكل ما عكس ذلك هو لك».

وعلى قدر احترامى وتقديرى لرد الأمير عبدالرحمن بن مساعد، وهو شاعر كبير، وذو حضور قوى على موقع التغريدات القصيرة، فإننى أتمنى أن يؤدى تدخله الحاسم والواضح ومتعدد الدلالات ذلك، إلى توقف تلك الحالة الطارئة والمستفزة بين قلة من جماهير «اتحاد جدة»، وبين بعض المغالين والمتطرفين من المصريين، ولتكن محبتنا لصلاح، وثقتنا فى اختياراته، «التى لم نكن، بالمناسبة، طرفًا فيها منذ البداية»، هى المحدد الرئيسى لموقفنا من عملية «شراء عقده» من «ليفربول»، سواء تمت الصفقة أم لم تتم. 

انتقل صلاح إلى جدة أم ظل فى ليفربول، فسوف يبقى هو «الأمل فى العيون»، نجم الكرة المصرية، وطائرها المغرد عاليًا، تحبه الجماهير المصرية، كما تحبه جماهير المملكة، ودولنا العربية.. كلها.