رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كتاب يجيبون عن سؤال: هل استفاد القراء من الدراسات النقدية لأعمال أديب نوبل أم هي مجرد "فرقعة أدبية"؟

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

◄ حسين حمودة: متفاوتة القيمة وبعضها مكرر..

 سيد ضيف الله: الكتابات الصحفية عنه أفضل من النقدية..

خيري دومة: كثير منها لا يتضمن أفكارا مهمة.. 

يوسف نوفل: يجب إعادة تحليل «أولاد حارتنا» بعيدا عن التفسير الديني..

 أسباب معروفة جعلت من أديب نوبل نجيب محفوظ، الذي تحل اليوم 30 أغسطس ذكرى وفاته، هدفًا أثيرًا للبحث والدراسة وجعلت من أعماله الروائية والقصصية موضوعًا أساسيًا للاستقصاء النقدي، بعض من هذه الأسباب تتعلق بالعالمية التي وصل إليها محفوظ، والتي لم يصل إليها أي روائي عربي آخر ما دفع البعض للتعلق بأهدابه طمعًا في نيل استحقاق مستمد من الشخص موضوع كتاباتهم، ولكن ثمة ما يتعلق بطبيعة ما قدّمه محفوظ من أعمال شديدة الثراء والتنوع كانت وما زالت وجهة صائبة ومحببة دائمًا للدرس والبحث النقدي. 

وعلى الرغم من أن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في عام 1988 كانت سببًا في ارتفاع وتيرة الاهتمام بأعماله، فإن ذلك الاهتمام النقدي جاء قبل نوبل بسنوات، ففي عام 1962 تحدث لويس عوض، حسبما أشار جابر عصفور في مقال له بمجلة "فصول، عن "كورس النقاد" الذي كان ينطلق كلما أصدر محفوظ عملًا جديدًا.

قال عوض: ما عرفت كاتبًا من الكتاب ظل مغمورًا مغبونًا مهملًا عامة حياته الأدبية دون سبب معلوم، ثم تفتحت أمامه كل سبل المجد دفعة واحدة في السنوات الخمس الأخيرة دون سبب معلوم أيضًا مثل نجيب محفوظ، وما عرفت كاتبًا رضي عنه اليمين واليسار ورضي عنه القديم والحديث ومن هم بين بين مثل نجيب محفوظ، فنجيب محفوظ قد غدا في بلادنا مؤسسة أدبية أو فنية مستقرة. 

زخم من الدراسات والكتب

استمر الاهتمام النقدي بأعمال نجيب محفوظ وبسيرته وكل ما يحيط به في حياته وعقب رحيله، فلا يكاد يمر عام دون عشرات الدراسات والمقالات والكتب عن أديب نوبل، فنظرة على عناوين الدراسات الأكاديمية من ماجستير ودكتوراة على مدار السنوات الماضية ستُبين طغيان الاهتمام بأدب نجيب محفوظ، ونظرة أخرى على ما صدر من كتب ستثبت الاهتمام ذاته من كبار الكتاب وشباب الباحثين على حد سواء. 

خلال عامي 2022، و2023 نوقشت رسائل أكاديمية متنوعة عن أعمال نجيب محفوظ، نذكر منها "شخصية الطفل في القصة القصيرة بين يوسف إدريس ونجيب محفوظ"، و"صورة المثقف في روايات نجيب محفوظ"، و"الأثر الوجودي في الرواية العربية"، و"تعدد الأصوات بين نجيب محفوظ وفرجينيا وولف"، و"تقنيات السرد في رواية «يوم قُتِلَ الزعيم» لنجيب محفوظ"، بالإضافة إلى الدراسات الأكاديمية، صدر أيضًا خلال العامين عدد من الكتب منها ما خطه كبار النقاد مثل كتاب "الشر والوجود.. فلسفة نجيب محفوظ الروائية" للناقد الفلسطيني فيصل دراج، ومنها ما غلب عليه الانطباعية مثل الكتابين الصادرين هذا العام؛ "الرسائل الصوفية في أدب نجيب محفوظ" لـ أمل زكريا، و"تقنيات السرد القصصي عند نجيب محفوظ" لـ إيهاب بديوي، فضلًا عن كتب غلب عليها الطابع الصحافي ومنها "نجيب محفوظ بلا معطف" لأحمد فضل شبلول، و"عطر نجيب محفوظ: قطوف من بستان السرد" لصلاح عساف، و"نجيب محفوظ شرقًا وغربًا" لـمصطفى عبدالله وشريف مليكة، و"نجيب محفوظ.. حكايات الراوي الأعظم" لـمحمود مطر، و"معارك نجيب محفوظ المجهولة" لـطارق الطاهر. 

هذا الاهتمام النقدي بكتابات نجيب محفوظ، والذي ما زال مستمرًا إلى اليوم، لا يدفعنا للسؤال عن أسبابه بقدر ما يوجهنا للتساؤل حول قيمة ما أُنتج في ظل هذا الزخم؛ هل استطاعت الكتابات الكثيرة المتتالية باختلاف طبيعتها ومرامها أن تُحيط بعوالم نجيب محفوظ وآفاق أعماله الأدبية شديدة الثراء والتنوع أم أنها أعادت اجترار القديم بصوره القديمة حينًا وفي ثوب جديد حينًا آخر؟

كتب في فخ الاجترار

يعتقد الناقد والأكاديمي حسين حمودة، رئيس تحرير دورية نجيب محفوظ، أن السؤال عن قيمة ما قُدّم حول نجيب محفوظ مشروع لا سيما وأن الدراسات والتناولات ليست كلها على مستوى واحد، بل إنها متفاوتة القيمة بوضوح، لأسباب كثيرة تتصل بمنطلقاتها وبالزوايا التي قاربت من خلالها عالمه، وبمدى النجاح الذي وصلت إليه في استكشاف أو تقصّي أبعاد عميقة وجديدة في عالمه، وأيضا بالقدرات النقدية لدي من قاموا بها.

ويتابع حسين حمودة صاحب كتاب "متصل الزمان- المكان فى روايات نجيب محفوظ": هناك عدد كبير من الرسائل الجامعية التي يتم إنجازها كل عام في الجامعات العربية عن كتابات محفوظ، وبعضها مدرسي الطابع تماما.. وهناك أيضا كتب ودراسات صدرت وتصدر عن عالم محفوظ وقعت في أفخاخ الاجترار. لكن، بجانب هذا، هناك أيضًا كتب ومقالات كثيرة تنشر عن محفوظ، كل عام، ولا تخلو من قيمة كبيرة.

أما سيد ضيف الله، أستاذ النقد بأكاديمية الفنون، فيُلقي الضوء على ما يحمله زخم الكتابات النقدية عن نجيب محفوظ من تكرار واجترار للقديم بدون أية إضافة مهمة، ويُرجع ذلك إلى عدم إحاطة بعض النقاد والباحثين بكل ما قُدّم حول أعمال محفوظ ما يجعلهم يظنون أن ثمة جديدًا سيطرحونه، فضلًا عن محدودية طرائق النقد التي تُقارب من خلالها أعماله، ما يُفسر تكرار الدراسات عن تقنيات السرد وما شابه ذلك، وهو ما لا يؤمل منه جديد.

في المقابل، يُشيد ضيف الله بالكتابات الصحافية عن نجيب محفوظ، على الرغم من تحفظ النقد الأكاديمي تجاهها، ودورها في الكشف عن جوانب جديدة من عالم نجيب محفوظ، موضحًا أن مثل هذه الكتابات الناتجة عن بحث استقصائي لها دور في كشف رؤى العالم عند نجيب محفوظ بشكل لم ينتبه إليه النقد الأكاديمي. 

كتب مدرسية الطابع

ويتفق الناقد والأكاديمي خيري دومة مع ما ذهب إليه الرأيان السابقان من قلة الدراسات المميزة الحديثة عن أدب نجيب محفوظ ، فينوّه، في حديثه مع "الدستور"، بأن مع كثرة ما كُتب عن عالم محفوظ الأدبي، فإنه لا يذكر سوى عدد قليل من الكتب ذات القيمة في هذا المضمار منها كتاب "بناء الرواية: دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفوظ" لـسيزا قاسم، و"نجيب محفوظ: الرؤية والأداة" لـعبد المحسن طه بدر، و"العالم الروائي عند نجيب محفوظ" لـ إبراهيم فتحي"، و"تأملات في عالم نجيب محفوظ" لـمحمود أمين العالم، وجميعها إصدارات من القرن الماضي. 

ويشير دومة إلى أن كثيرًا من الكتب الحديثة عن أديب نوبل لم يسترع انتباهه ووجد معظمه مدرسيّ الطابع ولا يطرح جديدًا عن عالم نجيب محفوظ الأدبي، في حين أن المقالات والدراسات المنشورة بالمجلات قد يحوي بعضها أفكارًا أكثر أهمية وجدة.   

ما أغفله النقد رغم الزخم 

قاد تكرار البحث حول مسائل بعينها في أعمال نجيب محفوظ إلى إنتاج الكثير من الدراسات والكتب عن نجيب محفوظ لا تطرح جديدًا.  كمٌ كبير من الأعمال مقابل كيف متواضع يمكن وصفه بكونه "ضجيج بلا طحين" عن عوالم نجيب محفوظ الثرية، وهو ما قد يدفعنا للسؤال حول ما أُغفِل تناوله عن عالم نجيب محفوظ وسط هذا الزخم؟ أي أرض بكر لم تطأها إلى اليوم أقدام الدراسات النقدية؟ 

يُلفت خيري دومة النظر إلى أن الاهتمام النقدي بروايات محفوظ قد طغى على أعماله الأخرى لا سيما الأعمال في المرحلة الأخيرة من حياته مثل "أصداء السيرة الذاتية"، و"أحلام فترة النقاهة"، ويقترح أن يولي النقد اهتمامه بدراسة هذه الأعمال من منظور أساليب التجريب بها وانطلاقًا مما أرساه إدوارد سعيد في كتابه "الأسلوب المتأخر" من حديث عن الطابع الخاص الذي تتخذه الكتابات والإبداعات الفنية والأدبية للكتاب في مراحلهم الأخيرة، وهو ما يمكن أن يكوّن زاوية جديدة للنظر في صفاء رؤية محفوظ في كتاباته بمرحلته الأخيرة. 

أما سيد ضيف الله، فيرى أن كثرة الدراسات لا تعني أن الباب أغلق ولكن المهم هو زاوية الرؤية، منوهًا إلى أن النقد النسوي المعتدل يمكنه أن يقدم رؤى جديدة لأعمال نجيب محفوظ تكشف عن تأريخه لتطور وضع المرأة وتعقد قضاياها باختلاف المستويات الاجتماعية والثقافية على مدار السنوات، كما يمكن النظر في أعماله من منظور ما تقدمه من رؤية في تجديد الخطاب الديني، فضلًا عن تعزيز الاهتمام بدراسات الاستقبال للكشف عن كيفية استقبال القراء بمختلف مستوياتهم الفكرية ومراحلهم العمرية لأعمال محفوظ المختلفة. 

ويشير الناقد الكبير يوسف نوفل، صاحب كتاب "نظرية السرد بين جيلي طه حسين ونجيب محفوظ"، إلى أن المجال ما زال مفتوحًا لطرح الجديد عن عوالم نجيب محفوظ، رغم كثرة ما قدم عنه من دراسات، منوهًا بأهمية التركيز على تحليل رواية "أولاد حارتنا" بمعزل عن التأويلات الملتبسة التي أُلصقت بها بسبب التفسير الديني ، وذلك بالاحتكام إلى نص الرواية ذاته بما يكشف عن أنها لم تطرح أي تعارض بين الدين والعلم، حسبما روّجت التأويلات المتداولة. 

وختامًا، يدعو الناقد البارز محمد حسن عبد الله إلى تعزيز الاهتمام بإنتاج محفوظ معتبرًا أن كل ما قُدّم ليس كافيًا، وفي سبيل ذلك يدعو إلى تأسيس جمعيات مختلفة تعني بإنتاج مختلف الأدباء البارزين ومنهم نجيب محفوظ بما يسهم ليس فقط في دراسته نقديًا ولكن في تشكيل وعي جماهيري به. 

ويتفق عبد الله مع ما طرحه خيري دومة من ضرورة الاهتمام بالأعمال الأخيرة لنجيب محفوظ من زاوية طرائق الكتابة الأخيرة، وتقصي مدى تحكم الحتمية في تصورات نجيب محفوظ، مشيرًا إلى أن الأعمال الأخيرة لمحفوظ تحتاج لدراسة من منظورات مغايرة تتحرر من المقولات النقدية التقليدية.