رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طبعة جديدة من "الأفعى المُتعدِّدة الرؤوس" عن الكتب خان للنشر

كتاب الأفعى المُتعدِّدة
كتاب "الأفعى المُتعدِّدة الرؤوس"

صدر مؤخرا عن الكتب خان للنشر - القاهرة وبالتعاون مع مؤسسة "ترجمان"، الترجمة العربية من كتاب "الأفعى المُتعدِّدة الرؤوس، البحّارة، والعبيد، والمشاعيُّون، والتاريخ الخفيّ للأطلنطي الثوري" للكاتبين بيتر لينيبو وماركوس ريديكر، ومن ترجمة أحمد حسان، وكان قد فاز بجائزة التاريخ العمّالي الدولي.

من مقدمة المترجم نقرأ: 
"من الصفحات الأولى سيدرك القارئ تميّز هذا الكتاب الذي يفتح آفاقا جديدة لدراسة التاريخ. إذ ينسف جدران التواريخ القومية ليفتح مسارات تاريخٍ كوكبي تتكامل وقائعُه وتفسّر بعضها بعضاً، والأهم أنه يحوّل بؤرته من الشخصيات والأحداث العظام ليصبح تاريخا من أسفل يسجل أنفاس وأفراح وأتراح البشر البسطاء بُناة الحياة الذين تدهسهم عجلاتها، ويستنقذ سردياتهم التي تتحدّى وتنقض السردية السائدة.
يقدّم الكتابُ منظوراً نتابع من خلاله بوضوحٍ كيف قامت الرأسمالية على مصادرة وتطويق الموارد المشتركة المتاحة لكل أعضاء المجتمع: الماء، والهواء، والتربة: أراضي الزراعة، والرعي، والغابات: كل ثراء الطبيعة الذي كان يُعدُّ ميراثاً للبشرية بأسرها تتقاسمه فيما بينها. لكنه يعرض أيضاً أشكال المقاومة الواسعة النطاق التي تتجدّد اليوم بالدعوات للعودة إلى المشاعات لإدارة مواردنا الطبيعية والثقافية. في وجه نظريات الانتصار النهائي المشئوم للرأسمالية ونهاية التاريخ، التي تجد أن تخيُّل نهاية العالم أسهل من تخيُّل نهاية الرأسمالية، يقدّم لنا هذا المنظور أداةً صلبة لاستعادة السيطرة على حياتنا ومصيرنا".

ومن تصدير الطبعة الثانية:
في قصيدة "عامل يقرأ التاريخ (أ)" (1935)، سأل بريشت، "من بَنَى بوابات طيبة السبع؟" وأجاب، بقولٍ مشهور، "الكتب مليئةٌ بأسماء الملوك." ثم تعجَّب، على نحوٍ تخريبي، "لكن هل كان الملوك من حملوا كتل الحجر الخشنة؟" طاف بريشت عبر الكوكب، من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط، والهند، والصين، وإفريقيا، مُتخيِّلاً كيف يمكن لطاقمٍ متنافرٍ من العمّال أن يظهر في تاريخٍ طالما سيطَر عليه "الرجال العِظام" والنُصُب التذكارية لمجدهم الزائف. وقد اقتفينا خُطَى بريشت في كتابة هذا التاريخِ لعُمَّال الأطلنطي، بالتشديد على البحّارة والعبيد، ونبدأ هذه الطبعة الجديدة بتحية بريشت، نَصِيرِ "التاريخ من أسفل" ومؤلِّف نشيده.
يجمع الكتاب بين التقاليد الأفرو ـ أمريكية، والإنجليزية، والأمريكية للتاريخ من أسفل. علَّمنا و. إ. ب. دوبوا W. E. B. DuBois أن ندرس خطَّ اللون والإيديولوجيا الخبيثة للتفوق الأبيض. وقد نشر كتاب Black Reconstruction in America [إعادة البناء السوداء في أمريكا] في نفس عام قصيدة بريشت. "انعتاقُ الإنسان يعني انعتاقَ العمل وانعتاقُ العمل يعني تحريرَ تلك الأغلبيةِ الأساسية من العمّال الذين هم صُفرٌ، وسُمرٌ، وسود." وشرح كتاب س. ل. ر. جيمسC. L. R. James بعنوان The Black Jacobines: Toussaint L'Ouverture and the San Domingo Revolution [اليعاقبة السود: توسان لوفرتور وثورة سان دومينجو]، المنشور عام 1938، أولَ ثورةٍ عماليةٍ ظافرة في التاريخ الحديث، مُردفاً أن ما بدأه عبيدُ المزارع، أكملته الجماهيرُ الحضرية الأوروبية.

 وقدّم لنا جورج راويك George Rawick مقولة النشاط ـ الذاتي. فبعد مجلّداته العشرين عن سرديات العبيدSlave Narratives  أصبح من المستحيل ألاّ نُفكّر في العبد بوصفه فاعلاً تاريخيا. وقد قدّم والتر رودنيWalter Rodney دوما المثلَ الأعلى للدارس، والمُنظِّر، والناشط. وحثَّنا على "قطيعةٍ جذريةٍ مع النظام الرأسمالي العالمي." أما التقاليد الأفرو ـ أمريكية للتاريخ من أسفل، والمعنيَّة بالضرورة بالعبودية وإلغائها، فتبنَّت منظوراً أطلنطيّاً.
من الفصل الأول: تحطُّم السفينة سي ـ ﭬنتشر
في الخامس والعشرين من يوليو عام 1609، تفحّص بحارة السي ـ فنتشر Sea-Venture
الأفق وتبيّنوا الخطر منفصلين عن قافلتهم المكونة من ثماني سفن أخرى تبحر من بليموث غربا إلى فيرجينيا، أول مستعمرة لإنجلترا في العالم الجديد، راقبوا عاصفةً ـــ أو ما يسميه هنود الكاريب إعصارا ـــ تندفع بسرعةٍ صوبهم. مع كون "السحب تتجمع كثيفةً حولنا والرياح تغنّي وتصفِّر كأغرب ما يكون،" كما كتب الراكب ويليام ستراتشي William Strachy، بدأت عاصفةٌ رهيبة وشنيعة تهبّ من الشمال الشرقي، تتسعُ وتزأر في نوباتٍ كما هي الحال، بمزيدٍ من العنف في ساعاتٍ أكثر من غيرها، حتى انتهت بأن أطفأت كلَّ ضوءٍ من السماء؛ التي مثل جحيمٍ من الظلمة، صارت سوداء فوقنا، وبلغ من اكتمالِ الرعب وسطوةِ الخوف أن اجتاحا الحواسَ المشوَّشة والمُضعضعة للجميع، الذين استولت عليهم الدهشة، وظلت آذانُهم مرهفةً للصيحات والهمهمات الفظيعة للرياح ولم يتزعزع قيدَ أُنملة التهاءُ جماعتنا بشأن من كان الأكثرَ تسليحا والأفضل استعدادا.

أما الضراوة المقتربة فإنها "أذهلت وجمّدت دماءَ وأوهنَت عزيمةَ الشجعان بين أصلب البحارة جميعا." تعالت صرخات الخوف من الركاب الأقل صلابة على متن السفينة ذات الثمانية والتسعين قدما، وحمولة ثلاثمائة طن، لكن كلماتهم "غرقت في الرياحِ والرياحُ في الرعد." تمالك البحارة المترنحون وشرعوا في العمل فيما بدأت ألواحُ السفينة في الأنين. صارع ستةُ أو ثمانية رجالٍ مجتمعين لتوجيه السفينة. وقطع آخرون الحبالَ والأشرعة ليقللوا المقاومة للريح؛ وطوّحوا المتاع والعتاد إلى البحر لتخفيف الحِمل وتقليل خطر انقلاب السفينة. زحفوا، وبأيديهم الشموع، على طول ضلوع السفينة، مُفتّشين ومُنصِتين للتسرّبات النائحة، ليسدّوا قدر ما يستطيعون منها، مُستخدمين لحمَ البقر حين نفد منهم وبرُ الحبال. إلاّ أن الماء اندفع إلى السفينة، وارتفع عدة أقدام، فوق طبقتين من البراميل الضخمة، في العنبر. أخذ الطاقم والركاب يضخّون المياه بصورةٍ متواصلة خلال "ليلٍ مصري من ثلاثة أيامٍ من الرعب الدائم،" والرجال العاديون "عرايا كرجال في سفنٍ ذات مجاديف". تداول على ضخ المياه حتى السادة المهذبون الذين لم يعملوا قط بينما نزَح من لا يستطيعون الضخّ المياهَ بالأواني والدلاء. لم ينالوا طعاما ولا راحةً بينما يضخّون ما يُقدّر بألفي طنٍ من الماء خارج السفينة التي تتسرب إليها المياه.

لم يكن ذلك كافيا، فلم يتراجع خطُ ارتفاع المياه، وبلغ من يتولّون المضخات أقصى حدودِ قوتهم، وتحمّلهم، وأملهم. والآن وقد بذل البحارة المنهكون كل ما هو ممكنٌ إنسانيا لمقاومة قوة الإعصار القيامية، وجدوا الراحةَ في طقسٍ بحري، يقلبون به العالمَ البحري رأسا على عقب بينما يواجهون موتا مؤكدا. مُتحدِّين قيودَ المِلكية الخاصة وسلطةَ القبطان كريستوفر نيوبورتChristopher Newport، وكذلك السادة المهذبين لشركة فيرجينيا مثل السير جورج سومرزGeorge Somers والسير توماس جيتسThomas Gates، كسروا مغاليق المشروبات الروحية للسفينة وفي تعبيرٍ أخير عن التضامن “شرب كلٌ منهم نخبَ الآخر، مُودِّعين كلٌ منهم الآخر الوداعَ الأخير حتى لقائهم الأكثر بهجة وسعادةً في عالمٍ أكثر بركة”.

الكاتب بيتر لينيبو، Peter Linebaugh أستاذ التاريخ بجامعة توليدو ومؤلف كتاب مانيفيستو الماجنا كارتا ولندن المعلقة  The Magna Carta Manifesto and The London Hanged
الكاتب ماركوس ريديكر، Marcus Rediker الأستاذ المرموق في تاريخ الأطلنطى بجامعة بيترسبورج ومؤلف كتاب سفينة العبيد  The Slave Ship، وكتاب أعداء كل الأمم Villains of All Nations، وكتاب تمرد السفينة آميستاد The Amistad Rebellion، أما المترجم أحمد حسان،  فهو مترجم مصري وله العديد من الأعمال الأدبية والفكرية المترجمة عن الإنجليزية والفرنسية والإسبانية.