رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد الصغير: صناعة النشر نشاط تجارى تحكمه نفس القواعد التى تحكم غيره

الكاتب أحمد الصغير
الكاتب أحمد الصغير

ما بين أول الكتب المنشورة وصولا لأحدثها، هناك حكايات عن رحلات الكتاب والمبدعين مع دور النشر، هناك صعوبات ومعوقات مع نشر العمل الأول، وهناك أيضا المشكلات المتكررة والمتشابهة بين المبدعين ودور النشر، سواء فيما يخص تكلفة الكتاب، أو توزيعه، والعقود المبرمة بين الطرفين، أو حتى حقوق الملكية الفكرية وغيرها. 

 

في سلسلة حوارات تقدمها الــ “الدستور” يحكي الكتاب تجاربهم مع عالم النشر.

 

وفي هذا اللقاء، يرصد الكاتب أحمد الصغير، هذه المشكلات والتي تعرض للكثير منها، ويحكي لنا تجربته في هذا الصدد. و"الصغير" صدر له مؤلفات: “الجلمود”، “الكتاب الأسود”، “الملائكة لا يكذبون”، “النوبة وآثار بحيرة ناصر”، “مدينة لا تضحك” وغيرها.  

 

-ما الصعوبات التى صادفتك فى طريق نشر كتابك الأول؟
لأننى غير متفرغ للكتابة وأمتهن مهنة أخرى هى الإرشاد السياحي، وراودتنى فكرة نشر كتاب لأول مرة عام 2007،  فقد تمثلت الصعوبات الأولى فى غموض مجال النشر لى تماما مما اضطرنى لمحاولة استكشافه ذاتيا فى مقار  بعض دور النشر بالقاهرة، لكن المحاولة لم تكن كافية لكى أتعرف على هذا العالم قبل أن أخوض مغامرة النشر  تلو المغامرة!
 

- ما المشاكل التى واجهتها بخصوص حقوق النشر والملكية الفكرية؟
لا لم أتعرض لمشاكل بخصوص حقوق النشر والملكية الفكرية لأننى ألتزم باتفاقاتى، كما أننى لم أتعامل مع دور نشر لا تحترم هذا الجزء من الحقوق. 

 

وفى مرحلتى العمرية الراهنة لن أكون غاضبا مثلا لو تم السطو على بعض كتبى وتم نشرها على سياق أوسع دون أن أحصل على حقوق مادية، لإننى حاليا أهتم بنشر الفكرة أكثر مما أحصل عليه ماديا!


- كيف تواجه هذه المشكلات مع الناشر؟ وما أصعب موقف تعرضت له؟
كل ما تعرضت له من مشاكل كان مع ناشرين لكنه لم يكن يتعلق بحقوق النشر أو الملكية الفكرية، إنما تعلق في الأساس فى عدم الوضوح وعدم الإلتزام زمنيا أو أحيانا بالمواصفات المتفق عليها أو عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه ماديا. 

وأصعب ما واجهنى كان هذا الكم الهائل من (الكذب)! كمرشد سياحى منذ عام 1995 تعودت على الدقة الشديدة والالتزام الشديد ولم أستوعب حتى الآن فكرة أن يكذب صاحب بيزنس بكل أريحية وبساطة وباستمرار وكأنه يمارس فعلا مهنيا طبيعيا! الكذب الصريح والمراوغة وعدم الوضوح هذا هو أصعب ما تعرضتُ له! فى بدء رحلتى الاستكشافية لدور النشر فى مقارها الرئيسية بالقاهرة عام 2007 قادتنى قدمى أولا لواحدة من كبريات دور النشر فى مصر والوطن العربى، وكانت بداية سيئة جدا منحتنى مشاعر سلبية شديدة  ضد هذه الدار لم أتحرر منها حتى الآن! فتاة أنيقة تستقبل الزائرين فى مدخل دار النشر على طريقة ريسبشن الفنادق تتعامل بطريقة متعجرفة استعلائية لم ترق كصعيدى يعمل مرشدا سياحيا لسنوات مما اضطرنى للتعامل بنفس الطريقة رغم كراهيتى لذلك!


- هل سبق و وصلت خلافاتك مع ناشر ما إلى ساحات المحاكم؟
لا لم يصل أى خلاف مع أى ناشر للمحاكم، وكنت أفضل دائما الوصول لحلها بطريقة أسرع. أعتقد أن أهم خطأ يتسبب فى مواجهات بين الكاتب والناشر خاصة فى العمل الأول، هو عدم إدراك بعض الكتاب لحقيقة مهمة، وهى أن صناعة النشر هى فى الأساس نشاط تجارى أو سوق تحكمه نفس القواعد التى تحكم غيره من الأسواق فى أى مجتمع. وما يمكن وصفه بصعوبات أو مساوىء هو فى الأساس يخص المجتمع كله ولا يخص نشاطا بعينه. هذه الحقيقة كنتُ أجلها فى بدء مغامرتى فى الكتابة فمزجت بين فكرة الناشر صاحب البيزنس وبين شخصية المثقف، أو أننى افترضتُ أن الناشر لابد وأن يكون مثقفا ويقود سلوكه المهنى مجموعة قيم مختلفة عن مثيلاتها فى باقى المجتمع!
 

ــ هل قمت يوما بسداد كلفة كتاب لك؟
نعم قمت بدفع تكلفة بعض كتبى، وساهمت فى كتب أخرى مع دور النشر، كما قامت دور نشر بتحمل تكلفة البعض الآخر بشكل كامل.


- ما الذى حلمت به لكتاب من كتبك ولم يتحقق وتأمل أن تتداركه مع مؤلَّف جديد؟
أعتقد أى كاتب فى العالم يحلم بانتشار ما يكتبه على أوسع نطاق ممكن، لكن لم يكن لدى حلما خاصا بأحد الكتب لم يتحقق. لكننى أتمنى لو يتاح لى مستقبلا الوقت والجهد والظروف لترجمة بعضها خاصة كتابى الأخير (الكتاب الأسود) إلى اللغة الإنجليزية.


- فى رأيك صناعة النشر فى تقدمٍ أم تراجع؟
لا يمكننى تقديم إجابة قاطعة لأن ليس لدى إحصاءات بعدد الكتب الصادرة هذا العام مثلا ومقارنتها بالسنوات الأسبق. لكننى أعتقد أن صناعة النشر مثلها مثل باقى أوجه النشاط الإقتصادى على مستوى العالم قد واجهت صعوبات مالية وصعوبات فى مواجهة وسائل النشر الإلكترونية الأحدث. يمر العالم بتغييرات اقتصادية كبرى ومن الطبيعى أن تعانى كل أوجه النشاط الإقتصادى جراء هذه التغييرات. لكن هذا لن يقضى على صناعة النشر لا فى مصر ولا خارجها. هذه قناعتى لأن هذه الصناعة من مكونات الحضارة الإنسانية ولن تختفى لكن يمكنها أن تتطور طبقا لما يتم استحداثه من مفردات عصرية جديدة! هذه الصناعة أصبحت جزءً من الإنسان ذاته ستبقى طالما بقى هو!
فى النهاية، وكما تحدثنا عن المصاعب والمساوىء، ينبغى أيضا أن أشيد ببعض الناشرين الذين تميزوا باتباع الخط المستقيم الواضح فى التعامل وكانوا فى منتهى الالتزام. وأذكر منهم يوسف ناصف (دار المصرى) للنشر والتوزيع والذى نشر لى روايتين عامى 2010 و2014 وهو أكثر من تعاملت معهم التزاما وصدقا واحتراما، كان ملتزما زمنيا، وفنيا فى المواصفات المتفق عليها، وماديا فى تنفيذ بنود العقد حرفيا!