رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اتحاد منتجى مصر.. أن تأتى متأخرًا

 تعجبنى دائمًا بعض الحكم التى تتداولها الألسنة، ولكن حين ترتبط المقولة بموقف يؤكدها فإنها تكون أكثر واقعية وتصديقًا. من هذه المقولات تلك الحكمة التى تقول: «أن تأتى متأخرًا خير من أن لا تأتى أبدًا» . وتلك واحدة من الحكم التى أكدها منذ أيام قليلة حدث أراه فى غاية الأهمية فى مجال الإنتاج الفنى، ذلك هو انضواء معظم شركات الإنتاج الدرامى الكبرى تحت كيان واحد هو اتحاد منتجى مصر، بما فى ذلك الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
فقد تأخرت كثيرًا تلك الخطوة التى أراها ضرورية لضمان استمرار تصدر مصر لمنصات الإنتاج الدرامى العربى، فى ظل احتدام المنافسة وازدحام السوق الإنتاجية بعديد المنافسين الذين تدعمهم ملاءة مالية توازى ميزانيات دول فى المنطقة. وعلى الرغم من شدة المنافسة وتأرجحها بين شرف المنافسة وغير ذلك يبقى لمصر ما ليس لغيرها - مع احترامنا لكل الأشقاء وكل الأصدقاء- فقد سبقت مصر غيرها من المنافسين الجدد بفضل السبق التاريخى، ثم بفضل تألق نجومها المميزين المحبوبين من المحيط للخليج، فضلًا على سهولة لهجتها على كل الألسنة العربية وشدة انتشارها بين كل الناطقين بلغة الضاد.
المهم أن يكون هذا الاتحاد أمرًا واقعًا وفاعلًا ومؤثرًا وليس مجرد كيان ورقى غير مؤثر، والأهم أن يكون الهدف لدى الشركات المؤسسة له أسمى من مجرد أرباح فردية تحققها بعض الكيانات دون غيرها. الهدف ينبغى أن يكون وطنيا وأن يكون التنسيق فعليا بحيث تستعيد الدراما المصرية أسواقا كانت تفتح أبوابها لتلقى حلقات مسلسلاتنا يوما بيوم حين تتوجه الطائرات إلى هذه الدولة الشقيقة أو تلك حاملة حلقة نفس اليوم التى تبث على التليفزيونات الوطنية وينتظرها المشاهد هنا وهناك بشغف ويترقب الأحداث كما لو كان موجودا فى قلب القاهرة أو فى إحدى قرى الريف المصرى، وليس ذلك منا ببعيد.
وفى الحقيقة أرى أن تلك الخطوة فى غاية التوفيق وسيكون لها ما بعدها. فأن يتفق كبار المنتجين المؤثرين والممثلين لثماني عشرة شركة إنتاج كبرى- كأعضاء مؤثرين للاتحاد ينضم إليهم غيرهم تباعا- على التنسيق فيما بينهم وعقد الاجتماعات الدورية لتنظيم وضبط سوق الإنتاج الدرامى هى فى حد ذاتها خطوة مهمة ومن الممكن أن تظهر نتائجها عاجلا فى الموسم الدرامى الرمضانى القادم.
أرى مثلا أن تكون هناك خريطة إنتاج درامى سنوية تلبى رغبات كافة المشاهدين العرب وليس المصريين وحدهم. فهناك من جماهيرنا العربية من يتشوق للدراما التاريخية أو البوليسية أو الكوميدية أو الاجتماعية أو البدوية أو الإرشادية أو الصعيدية أو الدينية أو دراما السيرة الذاتية ومسلسلات الأطفال. فلو نسقت الشركات المؤسسة للاتحاد فيما بينها لتم توزيع حصة الانتاج الدرامى بصورة سنوية بحيث تنتج كل شركة أو مجموعة شركات لونا دراميا محددا، وتسعى لذلك مبكرا بدءا من البحث عن النص الأجود فى هذا المجال والمخرج الأكفأ لإخراج هذا اللون، هما بالتأكيد ستكون النتائج مبهرة و مجزية للجميع وأولهم المشاهد العربى بالطبع.
واحد من الأسباب التى هزت عرش الدراما المصرية على المستوى الإقليمى هو التشابه الشديد فى المنتج الدرامى والانجراف وراء التريند بنحت أفكار أعمال حققت نجاحا، أو الرضوخ لأعمال تعلى من قيم شاذة عن مجتمعنا كالبلطجة أو الإدمان مثلا. المشكلة الأكبر هى تكرار أسماء بعينها من النجوم للعمل بمعظم الأعمال فى حين يعانى كثير من الفنانين بطالة تقودهم إلى الفقر والعوز.
أمر آخر أتمنى أن تنتبه إليه الشركات المؤسسة لهذا الاتحاد هو إتاحة الفرصة لكتّاب جدد يجددون بأفكارهم ومداد أقلامهم دماء الدراما التليفزيونية. فقد أصبحت أفكار معظم الأعمال متشابهة ولا أقول مكررة، ولن يبث فيها الروح من جديد سوى أقلام جديدة بأفكار جديدة تنافس كبار الكتاب فتدفعهم دفعا للتجديد حتى لا يخرجوا من سباق المنافسة. وظنى أن مسابقة موضوعية وشفافة وعادلة بين الكتاب الجدد ستكون كفيلة بالكشف عن كنوز مخفية فى كافة ربوع مصر. وحبذا لو كان ضمن خطة الإنتاج الدرامى قسما خاصا بالنقل عن الأعمال الأدبية، ففى مثل تلك الروائع القصصية والروائية سيجد كتاب السيناريو ضالتهم من الأفكار المبتكرة التى يمكنهم تناولها دراميا بسيناريو محكم وحوار راق وحبكة مشوقة.
كما أتمنى أن يلتفت الاتحاد الوليد لمنتجى الدراما المصريين إلى الدراما الإذاعية، فهى المفرخة الحقيقية القادرة على اكتشاف النجوم والنصوص والمؤلفين الموسيقيين. على أن لا ننسى أن فرصة تسويق الدراما الإذاعية مازالت بخير عربيًا، شريطة أن يتصدى لهذا الأمر شخصيات لديها من العلاقات مع الإذاعات العربية الشقيقة ما يفتح الأبواب المغلقة ويخترق موانع التسويق الحالية بحكمة وخبرة ومرونة.