رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محافظون وتجارب (11) المحافظ الشهيد

لا أشعر بالعجز في التعبير بالكلمات إلا عند الحديث عن شهداء الوطن، فما أغلى من النفس ما يمكن أن يقدمة إنسان لبلده، فالتضحية بالنفس من أجل بلدك هي أغلى ما يمكن أن تقدمه، وعد الله الشهداء بجنات ونعيم وبشّرهم بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون لعظمة تضحياتهم.

مقدمة كان لا بد منها قبل الحديث عن واحد من عظماء وشهداء الوطن ممن قدموا أرواحهم، وذلك أثناء تأديته واجبه كمحافظ للبحر الأحمر، وهو الفريق حسن كامل محمد، الذي استشهد يوم 9 سبتمبر عام 1969 في منطقة الزعفرانة.

وقبل الحديث عن تفاصيل واقعة الاستشهاد نعود إلى سيرة الرجل الذي ولد بمدينة ههيا  بمحافظة الشرقية عام 1908، في أسرة وطنية تهتم بالشأن العام، وقد انخرط والده في العمل الوطنى ومقاومة الإنجليز مبكرا، من خلال الحزب الوطنى الذي أسسه الزعيم مصطفى كامل، وقد زخر منزله بمكتبة كبيرة كانت سببا في شغف الابن "حسن" بالقراءة والاطلاع مبكرا.
تربى حسن كامل على حب الوطن، فبعد أن أنهى المرحلة الثانوية التحق بمدرسة البوليس، وتخرج فيها عام 1933، وبعد تخرجه تنقل بين المديريات وخدم في عدة أماكن أثبت فيها جميعا كفاءته، حتى عُين مأمورا لقسم شرطة مصر الجديدة ليلعب دورا مهما في حماية حى مصر الجديدة بأكمله من حريق القاهرة "المدبر" في يناير 1952، وكان سببا في التعجيل بثورة يوليو.
وبعد الثورة تدرّج حسن كامل في المناصب حتى تولى مديرا لأمن المنيا، ثم المنوفية، ثم مديرا لمصلحة السجون، ومدير أمن القاهرة، وأشرف على تشييع جنازة الملك فاروق عام 1965 "سرا" ودفنه في مسجد الرفاعي، وأثبت كفاءته وإخلاصه وتفانيه في عمله، فتم مد فترة عمله لبعد سن المعاش وحصل على منصب وكيل وزارة الداخلية، ثم اُختير محافظا لمحافظة البحر الأحمر عام 1968 في عز اشتعال حرب الاستنزاف مع العدو، الذي تكبد خلال تلك الفترة خسائر كبيرة أفقدته عقله، فقرر الانتقام من المصريين باستهداف العمق المصري والهجوم على الأماكن المدنية.

وفي رواية موثقة روتها ابنته المحاسبة شادية حسن كامل، وكيل وزارة البترول الأسبق، أكدت أن سيارته تحركت فجر يوم الخميس 9 سبتمبر 1969 من الغردقة في طريقها للقاهرة، وكان معه سائقه ويدعى "دردير"، وهى الزيارة الثانية له للقاهرة خلال يومين، حيث كان قد وصلها ولم ينجز مهامة بالاجتماع مع وزير الإدارة المحلية وقتها، وبدلا من الذهاب لأسرته، المكونة من زوجة وأربع بنات أغلبهن في مراحل الطفولة المختلفة، والاطمئنان عليهن، فضل العودة للغردقة لمتابعة عمله ثم العودة للقاهرة بعد يومين، وعند مدخل مدينة الزعفرانة رأى عددا من المركبات والدبابات، وكانت من طراز "تي 55" الروسية الصنع التي كان يتسلح بها الجيش المصري، فظنها قوات مصرية تجري التدريبات بهذه المنطقة، حيث إنه قد أوصى من قبل في رسالة بعث بها للقيادة بأن المنطقة هشة الدفاعات، وتحتاج إلى دعم مستمر، وفتح نافذة السيارة ليحيي هذه القوات، وكان العلم المصري على مقدمة سيارته، فوجهت القوات إليه وابلا من الرصاص، فسقط شهيدا هو وسائقه، ولم تكن تلك القوات مصرية، وإنما هي قوات إسرائيلية تسللت خلسة إلى هذا المكان، مستخدمة دبابات مصرية كانت قد استولت عليها في حرب 1967.
العملية الإسرائيلية تم تصويرها من قبل وكالات أنباء عالمية أرادت بها إسرائيل الدعاية المضادة لمصر التى كانت تحقق ضربات موجعة في جيش العدو، وانسحبت بعدها مباشرة، لكن بعد أن فقدنا أول محافظ شهيد هو اللواء حسن كامل محمد.

تم تشييع الشهيد في جنازة عسكرية مهيبة تقدمها السيد شعراوى جمعة، وزير الداخلية الأسبق، وعدد من الوزراء وقيادات الشرطة، ونعاه الزعيم جمال عبدالناصر.

الدولة المصرية لم تنس بطلها، فقد تمت ترقيته بعد استشهاده بلقب الفريق، وأطلق محافظ القاهرة، سعد زايد، اسمه على ميدان سفير بمصر الجديدة (تم تغيير الاسم فيما بعد)، كما تم إطلاق اسمه على مدرستين في البحر الأحمر وشارع رئيسى في مسقط رأسه بههيا بالشرقية.. لكن قبل كل ذلك تم تخليد اسمه في ذاكرة أبطال وشهداء الوطن.. رحم الله الفريق الشهيد حسن كامل محمد، محافظ البحر الأحمر الأسبق.