رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لهذه الأسباب رفض توفيق الحكيم تقديم مسرحيته "بيجماليون" للجمهور المصرى

توفيق الحكيم
توفيق الحكيم

توفيق الحكيم، والذي رحل عن دنيانا في مثل هذا اليوم من العام 1987، واحد من أبرز الرموز الأدبية المصرية في القرن العشرين، وتعد مسرحيته “أهل الكهف”، من أشهر الأعمال المسرحية العربية.

وفي عددها الــ 142، نشرت مجلة “الكواكب” الفنية، والمنشورة بتاريخ 20 أبريل 1954 مقابلة صحفية مع “الحكيم”، أجراها الكاتب لطفي رضوان، وفيها تحدث الحكيم عن غرامه بالممثلة الأمريكية “آفا جاردنر”.

في ذلك الحين كان “الحكيم” يشهد عرض مسرحيته “بيجماليون” في سالزبورج، وعن هذا الحدث قال الحكيم: النمسا وبلاد النمسا هي موئل ومهبط الفن المسرحي في العالم كله، والمسرح المصري لم يعد له وجود والحمد لله على ذلك، لقد أيقنت تماما وأنا هناك بأن العظمة المسرحية مازالت بخير وأن هناك جهابذة حقا في كافة فروع الفنون المسرحية، فقد أخرجوا لي "بيجماليون" فماذا رأيت؟ لن أتكلم أنا، ولكني أحيلك إلى مقتطفات من آراء النقاد الفنيين هناك.

 

ــ الصحافة النمساوية تشيد بمسرحية “بيجماليون” للحكيم

ويذكر توفيق الحكيم، بعضا من هذه الآراء النقدية في مسرحيته "بيجماليون، ومنها: كان يبدو أن تمثيل "بيجماليون" لتوفيق الحكيم علي المسرح الأوروبي سيواجه منافسا مهما هو "برنارد شو"، الذي عرض لنفس الأسطورة القديمة، ولكن توفيق الحكيم عالج موضوع الأسطورة الإغريقية القديمة بطريقة خاصة مستقلة وأصيلة ومبتكرة، وهنا كانت المفاجأة: فقد نجح المؤلف المصري في إيجاد الصلة المباشرة بالمنبع الإغريقي، بغير الالتجاء إلي الوسائل المفتعلة التي يتوسل بها كثير من الكتاب الغربيين.

وربما كان مرجع هذا إلى أن الشرق كان له اتصال وثيق بالكلاسيكية الإغريقية قبل أوروبا، ولقد أبرز المؤلف المصري فكرة الكفاح الإنساني الخالد في الخلق، هذا الكفاح الذي لا يقنع بما تم أبدا، كل ذلك في لغة تهمس بالتأمل والشعر وفي شكل جديد من الأسلوب الفني، ولقد قام بعرض هذه المسرحية ممثلو أكاديمية "الموزاريتيوم" علي نحو يسمو على المعتاد، ويعقب توفيق الحكيم: هكذا يكتب النقاد هناك، عن كل شيء في المسرحية، فهل تطلب مني بعد ذلك أن أحدثك عن الأثر الذي تركه تمثيل هذه المسرحية في نفسي؟

 

ــ تاريخ في ذمة التاريخ

وحول أسباب امتناع توفيق الحكيم عن عرض مسرحيته في مصر، يقول: وقد تسألني لماذا لم أعرض هذه المسرحية لتمثل على مسارحنا؟ إنها كانت أمام حضرات المسئولين عن المسرح ونهضته، فلم تسترع انتبهاهم، ثم أن الإمكانيات هنا على مسارحنا لا تهيئ لها الظهور اللائق، لضيق ذات اليد من جهة، ولعدم وجود مخرج مسرحي يفهم أصول صناعته كما يجب ولعدم وجود موسيقي تهيئ للمسرحية الجو الملائم. وقد تسألني ماذا ينبغي للمسرح المصري إذن؟، فأقول لك: “لا شيء.. لا شيء.. لا شيء”، وقد كنت رفيقا به في الماضي، عندما قلت إنه يحتضر، ولكن الواقع أنه مات، وشبع موت.

ويمضي توفيق الحكيم لافتا إلى: لقد كان للمسرح المصري تاريخ مشرف مشرق وقد أصبح هذا التاريخ في ذمة التاريخ. كان هناك الشيخ سلامة حجازي، الرجل العصامي الذي استطاع أن يسمو بعقلية الجمهور المسرحي فقد له روايات مصرية رائعة في حدود إمكانياته وقتذاك، ولما كان الشعب مغرما بالغناء فقد أدخل علي تلك الروايات بعض التعديلات ليغني ويرضي الجمهور.

وكان هناك جورج أبيض شيخ الممثلين وكان يمثل لشكسبير مما لم يسم إلي ما سما إليه ممثل حتي اليوم، وكان هناك يوسف وهبي الذي مثل وأبدع في الروايات المعربة. ولكن كل هذا انتهي يا سيدي، انتهي، لأن هؤلاء رفضوا السير بركب التقدم الفني، واستكثروا علي مصر أن يكون بها مسرح وتمثيل فني رائع، واستكثروا علي الشعب المصري أن يستمتع بروائع الغرب فبدأ الانحلال يدب دبيبه في التأليف والإخراج، ثم التمثيل وبدأت الروايات التافهة تظهر علي خشبة المسرح. ومات المسرح بأيدي من وضعوا الحجارة الأولي في بناءه وتقدمه، هدموا المعبد قبل أن يتم تشييده كاملا.

ويختتم توفيق الحكيم حديثه لـ “الكواكب” حول ممثلاته المفضلات من الأجنبيات ويرشحها لأن تكون بطلة لأعماله، مشيرا إلى: وهل أمامي مجال للاختيار؟ أن كلهن جميلات، ومع ذلك فأنا "أموت" في "آفا جاردنر" بس هي فين؟