رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرية الاعتقاد

بين الحين والآخر تشتعل وسائل التواصل الاجتماعي بسبب أن شخصًا ما غير دينه وانتقل من دين لآخر، ويتعامل المتعصبون من جميع الأطراف مع الموضوع وكأننا في مباراة كرة قدم بين الأهلي والزمالك، وكأن فريقًا خسر هذا الشخص وفريقًا كسبه، وأن أحد الأديان زاد واحدًا والدين الآخر خسر واحدًا!! وتناسى هؤلاء المتعصبون من كلا الطرفين أن حرية الاعتقاد هي حرية شخصية بالمقام الأول وليس لأحد أن يظن أنه وصي على فكر أحد أو أنه حتى من حقه أن يناقش حرية الآخرين في تغيير دينهم على وسائل التواصل الاجتماعي!!
إن المقصود بالحق في حرية الدين أو المعتقد في إطار منظومة حقوق الإنسان يتمثل في "معتقدات في وجود إله، أو في عدم وجوده أو معتقدات ملحدة، بجانب الحق في عدم ممارسة أي دين أو معتقد" ومن ثم فكل فرد حر في اعتناق ما يشاء من أفكار دينية أو غير دينية، وأن حرية الانتماء لأي دين هي القناعة الشخصية بالإيمان بذلك الدين عن فهم وبحث ودراسة بحيث يصبح الفرد مؤمناً بدينه وداعياً له في نفس الوقت، ولذلك فإن مبدأ حرية الإنسان في الانتماء لأي دين التي وردت في الفقرة الأولى من المادة ١٨ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وردت لتحسم الأمر أمام كل الدول والمجتمعات بأن هذه الحرية أساسية للإنسان، فهو حر في اعتناق الدين أو التحلل منه أو تغيير دينه، ولقد جاء نص المادة  ١٨ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:-
1- لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده.
2- لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
3- لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون، التي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
وقد وقعت مصر على هذه المواثيق والقوانين الدولية، ومن ثم فهذه المواثيق صار لها قوة القانون المصري، ووفقاً للمادة ١٨ من العهد الدولي للحقوق المدنية يكون من حق كل كائن بشري أن يختار خياراته الأساسية بمنأى عن كل ضغط خارجي، ولكن من المؤسف أن السياق التاريخي يفرض في كثير من المجتمعات والبلدان العربية تجاهل هذه القواعد والأفكار، فهذه الحرية ليست مطلقة ولكن هناك قيودا وحدودا لا تبيح التنقل بين الأديان؛ لأن هذه المجتمعات تظن أن تغيير الدين يهدد أمن المجتمع وسلامه الاجتماعي وطمأنينة أهله الذين يحيون في ظله بكل وداعة وسلام وحب وإخاء!! 
إن الدولة مسئولة عن التأكيد على سيادة القانون بين مواطنيها، وأن هذا القانون ينبغى أن يكون فوق الجميع، والدولة أيضاً مسئولة عن التأكيد على حرية الاعتقاد بين مواطنيها، لاسيما حق الفرد في اعتناق أي دين وتحوله من أي دين إلى دين آخر، فحرية الاعتقاد أو الحرية الدينية كما هي معروفة في العالم أجمع، هي حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من عقيدة، وحريته في إقامة شعائر هذه العقيدة علناً وبحرية، وحريته في الدعوة إليها طالما يفعل ذلك بطريقة سلمية ودون إكراه، والأهم حريته في أن يتحول من أي دين إلى آخر، فهذه هي حرية الاعتقاد في تعريفها الحقيقي، لقد كانت مصر رائدة منذ قرن من الزمان عندما نص دستور ١٩٢٣ في مادة ١٢ على أن "حرية الاعتقاد مطلقة" دون أن يتعرض الدستور لأية أديان سماوية أو غير سماوية، إن حرية الاعتقاد لا بد وأن تكون مطلقة، ويجب ألا تقتصر على حرية التنقل بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة، بل يجب أن تشمل حرية التنقل بين كافة الأديان والمعتقدات وكذلك حرية عدم اعتناق أي دين، والواجب علينا جميعاً أن نطالب بحقوق المواطن المصري وليس بحقوق فئة واحدة فقط، فعندما نطالب بحقوق المواطن المصري حينئذٍ فقط ستكون حقوق الجميع مصانة، وهو شيء سهل إن خلصت النوايا، إن احترام حقوق الإنسان وأولها حقه في حرية الاعتقاد أصبح اتجاهًا إنسانيًا عامًا وقانونًا دوليًا وهو مايجب أن ننادي به جميعًا، وإن مصادرة الحريات الدينية استبداد ما بعده استبداد، لأن الأصل هو حرية الفرد الكاملة وغير المنقوصة في اختيار ديانته، حتى ولو كانت البهائية أو البوذية، أو اختياره أن يكون لا دينياً أو لا إرادياً، وقد يكون بعض الناس بحسب وجهة نظر المتعصبين والمتطرفين منحرفين في عقائدهم، أو حتى كفاراً أو ملحدين أو مشركين، فهل يعطي ذلك الحق في انتهاك حقهم الإنساني في حرية الاعتقاد وتكفيرهم وإباحة دمهم؟!! بالطبع لا، إن وجود حرية الاعتقاد في أي دولة يؤكد ديمقراطية هذه الدولة ومدى تحضرها ورقيها.