رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عالم جديد أكثر توازنًا

فى الوقت الذى تزداد فيه الأزمات الاقتصادية ويتباطأ النمو العالمى ويزداد عدد الفقراء نجد سعى الدول إلى الشراكات والتعاون من أجل التغلب على الأزمة الاقتصادية. وفى الوقت الذى تحاول فيه الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على هيمنتها كقطب واحد يسيطر على العالم والحفاظ على نفوذها عبر أجزاء شاسعة من دول الجنوب فى العالم، نجد أن التجمع الذى تقوده الصين وروسيا، «مجموعة البريكس»، يتلقى طلبات من عدد من الدول للانضمام له، مما يشير إلى تحول قريب فى النظام العالمى.

جاء فى جريدة الأهرام المصرية فى يوم السبت ١ يوليو ٢٠٢٣ فى مقال للكاتب محمد عبدالقادر، تحت عنوان «التوسع الأول مزيد من الاستقلالية والخيارات»: إن دولًا جديدة من إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، يُتوقع انضمامها إلى مجموعة البريكس، وهو ما يعنى ضخ دماء جديدة فى شرايين التجمع الذى يهدف إلى عالم متعدد الأقطاب، من أجل ضمان تأثير أكبر فى عملية صنع قرار على المستوى الدولى، وأشار المقال إلى أن ٢٠ دولة طلبت الانضمام.

وفى سياق آخر، رحّب الرئيس الصينى، شى جين بينج، بانضمام الجزائر إلى مجموعة البريكس، وذلك أثناء زيارة الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون إلى الصين فى ١٨ يوليو ٢٠٢٣.

وأشارت مجلة «نيوزويك»، الصادرة فى أول يونيو، إلى أن «توسع البريكس يعجل بتراجع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه ستتم الموافقة على انضمام عدد من الدول إلى المجموعة خلال القمة المقبلة التى ستنعقد فى ديربان بجنوب إفريقيا فى شهر أغسطس المقبل». كما أشارت المجلة إلى زيادة النفوذ السياسى للمجموعة، وذلك بعودة العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة من الصين، فى ظل رغبة البلدين للانضمام إلى تجمع البريكس.

ومن الملاحظ أن مجموعة البريكس، التى تضم خمس دول «الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا»، تسعى إلى التبادل التجارى بين أعضائها بالعملة المحلية كاليوان الصينى والروبل الروسى والروبية الهندية؛ وذلك لتقليص الهيمنة العالمية للدولار، والتخلص من إرهاب العملة والعقوبات التى تفرضها أمريكا وحلفاؤها من الدول الأوروبية، ومن أجل توافر شروط تجارية عادلة ونفوذ اقتصادى أكبر لدول البريكس فى مواجهة الغرب.

مع بداية القرن الواحد والعشرين بدأت فكرة إنشاء مجموعة اقتصادية من الاقتصادات الناشئة فى المجتمع الدولى بهدف الخروج من السيطرة الغربية، وبعد الأزمة المالية فى ٢٠٠٨ تأسست مجموعة من أربع دول «البريك»، تضم أربعة اقتصادات قوية، هى الصين وروسيا والهند والبرازيل وذلك فى عام ٢٠٠٩، وفى عام ٢٠١٠ انضمت لها دولة جنوب إفريقيا وأصبح اسم المجموعة «البريكس»، وهى الأحرف الأولى للخمس دول التى تمثل مساحتها ٢٧٪ من مساحة كوكب الأرض و٤١٪ من سكان العالم، ووصلت مساهمة دول البريكس الآن إلى ٣١٫٥٪ من الناتج الإجمالى العالمى، ومن المتوقع أن تنتج مجموعة البريكس ٥٠٪ من الناتج الإجمالى العالمى عام ٢٠٣٠. وتستعد المجموعة للتوسع وانضمام دول عديدة من أجل التعاون بينها على أساس المنفعة المتبادلة والمصلحة المشتركة.

تكونت منظمة شانغهاى الخماسية فى أبريل ١٩٩٦، والتى تحتوى على خمس دول «الصين وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان»، وفى بداية القرن الواحد والعشرين، وبالتحديد فى الخامس عشر من شهر يونيو ٢٠٠١، انضمت دولة أوزبكستان للدول الخمس السابقة وأصبحت منظمة شانغهاى للتعاون منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية. وفى يونيو ٢٠٠٢ تم توقيع ميثاق المنظمة، ودخلت حيز التنفيذ فى ٢٠٠٣.

وتتلخص أهداف المنظمة فى تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار ومحاربة الإرهاب وتدعيم الأمن ومكافحة الجريمة وتجارة المخدرات، ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الدينى والعرقى، والتعاون فى جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية وقطاعات النقل والتعليم والطاقة وحماية البيئة، وتوفير الأمن والسلام فى المنطقة.

لقد عقدت منظمة شانغهاى قمة افتراضية تحت رئاسة الهند فى أوائل شهر يوليو من العام الحالى ٢٠٢٣، ناقشت من خلالها زيادة التعاون التجارى فيما بينها بالعملة المحلية لبلدانها، وذلك فى إطار مواجهة الهيمنة الأمريكية والغربية وتقليص الاعتماد على الدولار، وأيضًا لمواجهة العقوبات الأمريكية الاقتصادية الجائرة المفروضة على روسيا والعديد من البلدان، كما ناقشت الآليات لمواجهة الحركات الانفصالية والإرهابية لدعم السلم والاستقرار. 

هل تنظر دول العالم للمتغيرات التى تحدث فى السنوات الأخيرة وبوتيرة متصاعدة، وعلى رأسها صعود أقطاب عالمية على المستوى الاقتصادى والعسكرى والسياسى؟

إن من مصلحة دول الجنوب النامية أن تتعاون مع الأقطاب الصاعدة، الصين وروسيا، على أساس المصلحة المشتركة، والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة لصالح الشعوب، بدلًا من التبعية للقطب الواحد الأمريكى الذى يفرض الهيمنة والنهب المنظم لثروات الشعوب، ويفرض السياسات الرأسمالية الجديدة، التى ينتج عنها مزيد من معاناة الشعوب من الفقر والبطالة وغلاء الأسعار وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات المعيشية الضرورية.

إننا نأمل فى قيام عالم متعدد الأقطاب يقوم على تحقيق التقدم والنمو والمساواة والخير والسلام.