رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"عم صبرى" يشهد 30 يونيو من الجنّة

كان بعين واحدة لكنّ بصيرته ربّانية، بها رأى ثورة 30 يونيو تتكوّن، وبأصابعه الدقيقة بدا وكأنّه يحصي المشاركين فيها من أولهم إلى آخرهم.


الرجل الذي رفض انتخاب "مرسي" (الرئيس الأسبق المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين) مرتين، كان لا يرى فيه أملًا لمصر على الإطلاق كحال كثير من المصريين، لكنّ الستيني لم يجد سوى أن يرضخ لنتائج صندوق الانتخابات.


اللقاء الأول

أمام جامعة القاهرة كان يجلس "عم صبري" يبيع الصحف والكتب، كان الرجل النحيل ملاذًا للحائرين في وقت كانت الفوضى هي العنوان الرئيسي لكل شيء، يجلس معه فتية في ريعان الشباب يحدثهم عن الماضي والحاضر والمستقبل.


خبرة طويلة جمعها من أمّهات كتب التاريخ التي يعشقها، يرى بعينه التاريخ كشريط تصوير ضوئي متكرر لكل الأحداث، كل صورة ظاهرة للعيان وناقصة تحتاج إلى أن تكتمل، كما تحتاج إلى نظرة عن قرب لتوضيح المعنى جلّه.


تعرفت إلى الرجل بعد ثورة 25 يناير في ميدان النهضة، كان شغوفًا بالحالة الاستثنائية التي كان الشعب عليها، علّق صورة للشهداء على جداره، وزينه بشعار "الشعب خلاص أسقط النظام"، وأرفقه بتعليق خطّه بيديه "لازم نفصل الدين عن الدولة.. لا للإخوانجية"، كان في حيرة يتحدث عن المستقبل الغامض ويحذّر من الإخوان.


لم يكن أحد يتصوّر حينها أن الانقسام بدأ بالفعل، وأن الجماعة قررت توزيع الغنائم في حين أن دماء الشهداء لم تجف بعد، سارعوا إلى الاستئثار بالسلطة وتهميش الأطراف الأخرى بالكذب والتضليل والعنف، إلا أن الرجل كان متفائلًا يرى أن الثورة ضد التيار الظلامي تبدأ عندما يظهر إلى النور، كما كان يرى أن شوارع مصر ستمتلئ قريبًا برافضي الإخوان.


الزيارة الثانية
كانت بصيرة الرجل حيّة، في زيارتي الثانية له في أواخر يناير 2012 كان حزينًا وقد أنهكه مرض السكري، وسط فرحة "الإسلاميين" بحسم مقاعد مجلس الشعب، ورغم حزنه كان يرى بداية الانهيار للجماعة المتسترة بستار الدين، "لازم يظهروا للعلن عشان الناس تعرف حقيقتهم".

 

كانت رؤيتي قاصرة على مشهد عبثي لن ينتهي إلا بكارثة تمس الجميع، وكانت رؤيته أن كل خطوة للإخوان للإمام هي بمثابة 10 خطوات للخلف، ولا بد أن ينتهي أمرهم بسرعة "الشعب هيقوم وكده نكون خلصنا من كل أركان الفساد في مصر".

الزيارة الأخيرة


في 4 يونيو 2013 كان آخر لقاء جمعني به كان يشكو من آلام شديدة، حينها أكد لي أنه سيكون في طليعة المشاركين ضد الجماعة الإرهابية، وأنّه شارك باسمه استمارة "تمرد"، وأهداني (كارت أحمر) سيرفعه في وجه مرسي بيده.


توفي "عم صبري" في 25 يونيو 2013، قبل ثورة شعبية عارمة رفع فيها المصريون الكارت الأحمر ضد حكم مرسي والجماعة الإرهابية، مرت عليها الآن 10 سنوات، رحل "عم صبري" وظل الكارت الأحمر يوثق نهاية مرحلة كادت تدمّر مصر.