رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

30 يونيو

تحل علينا هذه الأيام الذكرى العاشرة لثورة ٣٠ يونيو، وهى بحق من الأحداث المهمة بل المفصلية فى تاريخ مصر المعاصر؛ إذ استطاعت ٣٠ يونيو تجنيب مصر شرًا لم تعرفه طيلة تاريخها، وهو شر الحرب الأهلية، هذه الحرب التى للأسف الشديد سقط فيها الكثير من البلدان العربية المجاورة.

لكن المثير أنه لم يتم التركيز على دراسة انعكاسات ٣٠ يونيو على المحيط العربى، من خلال إبراز توابع سقوط مشروع الإسلام السياسى فى مصر على توازن القوى السياسية فى العالم العربى. لا شك أن نشأة الإسلام السياسى كانت فى مصر من خلال تأسيس جماعة الإخوان المسلمين فى عام ١٩٢٨، كما أن بروز الحركة السلفية كان أيضًا فى مصر، ومصاحبًا لنشأة الإخوان. ربما يشير البعض إلى قدم الحركة الوهابية فى الجزيرة العربية، لكن التأطير الفكرى للحركة السلفية المعاصرة بدأ فى مصر على يد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب، وعبّرت عنه بشدة الجمعية الشرعية.

وشهدت حقبة السبعينيات إعادة إحياء تيار الإسلام السياسى- الإخوان والحركة السلفية- نتيجة أهداف سياسية إقليمية ودولية، فى إطار أجواء الحرب الباردة، والمشروع الدولى لمواجهة الاتحاد السوفيتى والشيوعية الدولية، وهو ما تم التعبير عنه فى مصر، وربما فى عالمنا العربى، بشعار «ضرب اليسار من خلال تيار الإسلام السياسى».

من هنا تأتى أهمية ٣٠ يونيو ٢٠١٣، حيث تم إجهاض مشروع الإسلام السياسى سريعًا، ليس فى مصر فحسب، بل فى عالمنا العربى. أتذكر زيارة علمية للبنان الشقيق فى أعقاب ٣٠ يونيو ٢٠١٣، حيث انتهى المؤتمر العلمى برحلة سياحية إلى منطقة جبيل «بيبلوس» فى جبل لبنان، إذ طلب منى صديق مغربى لم تكن له خبرة باللهجات المشرقية أن أطلب بالنيابة عنه شراء حجر بطارية لساعته من أحد المحلات، وبالفعل قمت بذلك، وكمْ كانت فرحة البائع عندما تحدثت معه باللهجة المصرية، ورفض أن يتقاضى ثمن حجر البطارية، وقال بامتنان شديد: «أنتم فى مصر أنقذتمونا من الإسلام السياسى»، بالطبع كان يشير إلى حزب الله، والحركة السلفية التى سيطرت إلى حد كبير على طرابلس.

لم تقضِ ٣٠ يونيو على الإسلام السياسى فى العالم العربى لكنها حجّمت دوره إلى حد كبير، لم يعد حزب الله كما كان سابقًا، وشهد لبنان بعد ذلك المسيرات الشعبية التى تطالب بلبنان غير طائفى. وفى المغرب سقطت سريعًا الحكومة التى تكونت أساسًا من تحالف الإسلام السياسى، وفى السودان سقط نظام البشير المتحالف مع الإخوان، وفى ليبيا تراجع إلى حد كبير تأثير الإسلام السياسى، وفى العراق خرجت المسيرات الشعبية تنديدًا بالنظام الطائفى باحثة عن عراق جديد، وفى الخليج العربى أدركت الحكومات خطر الإسلام السياسى، وسرعان ما تغير شكل المجتمع، لا سيما فى السعودية والإمارات.

لا نبالغ إذا قلنا إن ٣٠ يونيو كانت بمثابة ضربة قوية لمشروع الإسلام السياسى، لكن تتبقى المواجهة الفكرية من خلال تجديد الخطاب الدينى، وترسيخ مفهوم المواطنة، والانتقال إلى الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة.