رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"أيام الثورة والخلاص".. محمد سلماوى: الإخوان دفعت بمرشح للرئاسة بتعليمات من جون كيرى

الدكتور محمد الباز،
الدكتور محمد الباز، ومحمد سلماوى

هو صاحب «أجنحة الفراشة»، الرواية التى تنبأ فيها بنزول المصريين ميدان التحرير غاضبين ومحتجين ومطالبين بحقوقهم، وهو أول من سحب الثقة من الرئيس الإخوانى محمد مرسى، عندما كان رئيسًا لاتحاد الكتاب.. هو الكاتب صاحب الأفكار البراقة والصياغات الساخرة والنبوءات التى لا تخيب.. إنه الكاتب المتجدد محمد سلماوى.

وخلال استضافته فى برنامج «الشاهد»، مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، المذاع عبر فضائية «إكسترا نيوز»، كشف «سلماوى» عن العديد من أسرار فترة حكم «الإخوان»، سواء على المستوى العام، أو ما يتعلق بالثقافة والفن.

من بين هذه الأسرار الأسباب التى جعلت الجماعة تدفع بمرشح للرئاسة بعد قرار سابق بعدم الترشح، ودور جون كيرى مسئول العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكى فى ذلك، وما الذى قاله محمد مرسى فى اجتماع المثقفين، وغيرها الكثير فى السطور التالية.

■ تنبأت بما حدث فى «٢٥ يناير» من خلال رواية «أجنحة الفراشة».. كيف حدث ذلك؟

- لم أقصد برواية «أجنحة الفراشة» التنبؤ أو تقديم رؤية ستتحقق بعد ذلك، لكنها كانت ترصد الوضع القائم فى مصر عام ٢٠١٠، وحينها كان هناك إجماع من كل المحللين والسياسيين على أنه وضع غير قابل للاستمرار.

الرواية صورت الوضع القائم فى هذا الوقت وتطوراته، التى أدت فى النهاية بشكل حتمى إلى «انفجار كبير»، لكن الغريب أن الانفجار والتصور أن يكون فى ميدان التحرير، وأن الشباب هم من سيفعلون ذلك باستخدام وسائل حديثة، ويطلبون من الجيش أن ينزل وينحاز لهذه الحركة.

والجيش منذ نشأته وطنى، ولا أحد يتخيل أن يقف أمام الشعب ويقتل المتظاهرين، وكل هذا كان طبيعيًا ورؤية فنية نابعة من معطيات الموقف الدرامى الذى تم تصويره، وبالفعل مرت أسابيع وإذا بى أفاجأ بما حدث فى «٢٥ يناير».

■ ما شعور الكاتب الروائى عندما يجد ما رسمه من وحى خياله يتحقق؟

- أصبت بدهشة غريبة وارتياح فى نفس الوقت عند قيام ثورة ٢٥ يناير، لأن الشخص عندما يكتب المشهد فى رواية، رغم أنه تخيلى، فى داخله يتمنى أن يتحقق، لأن به خلاصًا للبلد ومحاولة لإيجاد وتحقيق الذات الوطنية والاجتماعية. وصحيح أن زملائى الصحفيين كانوا يقولون: «أنت الوحيد الذى لم تتفاجأ»، لكن عندما تكتب شيئًا وتنزل الميدان وتجده حقيقة، فهذا شىء آخر.

■ هل انتبه أى من أجهزة الدولة للرواية؟

- أجهزة الدولة وقتها كانت راسخة وبطيئة، والرواية عندما تُطرح لم تكن تُرصد فى نفس الوقت، وإنما يتم التنبه لها بعد الكلام عنها، والغريب أن السلطات لم تتنبه إلى خطورتها، رغم أنها تتحدث عن سقوط نظام.

■ هل توقعت أن يسطو «الإخوان» على الثورة؟

- لم أتوقع أن يسطو «الإخوان» على الثورة، وهذا كان قصورًا فى رواية «أجنحة الفراشة»، لأنه كان طبيعيًا أن يحدث ذلك، حين نُسقط نظامًا دون وجود بديل قوى يقود هذا الزخم، خاصة مع عدم وجود أحزاب سياسية قوية.

فى ذلك الوقت كان يوجد تنظيم منظم قادر على الحشد، ومعتاد السمع والطاعة، ولديه قبول لدى الرأى العام الذى لم يجربه بعد، لأنهم كانوا يمارسون أعمالًا اجتماعية كانت تجب على الدولة والحزب الحاكم. 

الناس قالت: «جربنا الاشتراكية والرأسمالية، ودول ناس بتوع ربنا نجربهم»، و«أكيد لن يكون هناك فساد وفوضى»، لكن التجربة أثبتت العكس، وأن هؤلاء «مش بتوع ربنا»، ورأينا فسادًا وعنفًا وظلامًا واستبدادًا وتنكيلًا وفوضى عارمة لم تشهدها البلاد.

■ أين وكيف عرفت حقيقة «الإخوان»؟

- مثل بقية الشعب، اكتشفت حقيقة «الإخوان» من حكمهم، ولا أستطيع القول كمثقف ومعادٍ لهم، أنه رغم فكرة الدولة الدينية والعدائية الواضحة منهم للثقافة، ورفضهم الهوية الوطنية واستبدالها بهوية عامة للخلافة، لكن كلمة واحدة عبرت عن فلسفتهم، هى «طظ فى مصر»، فرقت معى جدًا، لأنها عبرت عن أهم فلسفة للجماعة، لذا وصلوا إلى مرحلة أنهم كانوا مستعدين أن يعطوا جزءًا من أرض مصر إلى الفلسطينيين.

■ كيف كان انطباعك عن محمد مرسى فى «المجلس الاستشارى»؟

- لم أرَ محمد مرسى إلا فى جلسة واحدة من جلسات المجلس الاستشارى، وكان عضوًا فيه، لكنه انسحب مبكرًا احتجاجًا على المجلس نفسه، فالمجلس الاستشارى هو الذى كان سيشكل الهيئة التأسيسية للدستور، و«الإخوان» كانوا يريدون صناعة دستور «على مزاجهم وهواهم»، وبالتالى حدث خلاف وانسحب منه «مرسى»، لذا لم أره غير فى جلسة واحدة، وكان ممتعضًا، ولم ينفتح أمامى بالقدر الكافى.

وعندما دعانا محمد مرسى بصفته رئيسًا للجمهورية فى قصر «الاتحادية» إلى «اجتماع المثقفين»، وذهبت رفقة مجموعة من الفنانين والمثقفين، فوجئت به يطلب إحضار كرسى، ثم وضعه بجواره وطلب منى أن أجلس وأدير هذا اللقاء.

كانت محاولة للاستقطاب و«التلطيف»، كان يحاول بعث رسالة إيجابية، وكانت رسالة لم أسمع مثلها فى حياتى، عن الفن والثقافة وأهميتهما الكبيرة، قبل أن يستشهد بأشياء لم أكن أتخيل أن يعرفها، مثل أفلام أمريكية وكتب.

«مرسى» فى ذلك التوقيت كان يقول: «لست ممثلًا للإخوان، بل رئيس للجميع»، وأنه سيأتى بشخصية وطنية لا خلاف عليها كرئيس للوزراء، وسيكون مجلسًا رئاسيًا يمثل كل الاتجاهات الرئاسية.

لذا، وقتها انحاز إليه عدد من المثقفين الذين انساقوا وراء هذه الأوهام، لكنها سرعان ما تساقطت بسرعة شديدة جدًا، وجاء برئيس وزراء إخوانى، وكانت الطامة الكبرى بالنسبة لنا يوم اختياره وزير ثقافة إخوانيًا.

■ ما ردود الأفعال تجاه رسالة محمد مرسى عن الفن والثقافة فى «اجتماع المثقفين»؟ 

- الفنانون والمثقفون كانوا فى حالة اندهاش من الصورة التى أراد محمد مرسى أن يصدرها عن رأيه فى الفن والثقافة، خلال اجتماعه مع المثقفين والفنانين، لكن هذه الصورة لم تدم طويلًا، فسرعان ما بدد «الإخوان» هذه الأوهام، فتم فصل مديرة الأوبرا، وظهر شيوخ على شاشات التليفزيون يقولون إن «الفن حرام».

■ عندما تمت دعوتك للمجلس الاستشارى مرة أخرى، فوجئت بأنه كانت توجد محاولات لفرض رئيس إخوانى أو يميل إلى «الإخوان» على هذا المجلس.. ماذا جرى فى هذه المسألة؟

- عندما تمت دعوتى إلى المجلس الاستشارى مرة أخرى، فوجئت بمحاولات لفرض رئيس إخوانى أو يميل إلى «الإخوان»، وحينها شعرت بأن الجماعة خرجت من الباب وتحاول الدخول من الشباك.

وكان متزعمًا هذا الاتجاه شخص قريب من «الإخوان» هو محمد سليم العوا، الذى كان يؤيد الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، وهو أيضًا شخص قريب من فكر «الإخوان»، وكان شخصية محترمة تلقى قبولًا لدى الرأى العام، وبالطبع لدى الجماعة، لذا اعتقد «العوا» أن «أبوالمجد» هو «الكارت الرابح» لتولى رئاسة المجلس الاستشارى.

لكننى توجست وانزعجت جدًا، وأتذكر أننى ذهبت لزيارة السيد منصور حسن فى بيته، وقد كان معى فى المدرسة، وإن كان يسبقنى بسنوات طويلة، فذهبت لزيارته وقلت له إننى أشعر بأن أحمد كمال أبوالمجد ليس مجرد شخصية محترمة، وإنما اختياره من الممكن أن يؤثر فى صورة المجلس الاستشارى ومجريات الأمور، ومن هنا اقترحت عليه أن يكون هو رئيس المجلس، فاستجاب وقال إنه سيفكر فى الموضوع.

كما ذهبت للسيد عمرو موسى فوجدته مرحبًا تمامًا بالفكرة، إلى جانب سامح عاشور وحسن نافعة ومجموعة من «المستنيرين» فى المجلس، وبدأنا حملة لاختيار منصور حسن كرئيس للمجلس الاستشارى، ونجحنا فى ذلك.

■ «الإخوان» بعدما كانوا يقولون: «مشاركة لا مغالبة»، لم يطبقوا إلا «مغالبة»، وقالوا إنه لا يوجد مرشح عندهم للرئاسة، ثم دفعوا بمرشح للرئاسة.. ما دور «الأمريكان» فى ذلك؟

- كان جون كيرى فى هذا التوقيت رئيسًا للجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب الأمريكى، وجاء فى زيارة مفاجئة إلى القاهرة، بعد أن أعلن «الإخوان» عن أنهم لن يدفعوا بمرشح فى انتخابات الرئاسة، وسيكتفون بالأغلبية البرلمانية.

وأرى أن توجههم الأول كان ذكاءً شديدًا جدًا، لأن أى شخص سيتسلم الوضع بعد ٤٠ سنة من الجمود سيعانى من التخلف الموجود فى البلد، والرئيس الموجود على رأس السلطة هو من سيكون فى وجه المدفع، بينما مجلس النواب هو الذى يعبر عن معاناة الناس، فكان من الذكاء أن يأخذوا البرلمان ويتركوا الرئاسة لشخص يتصدى لـ«شبه الدولة»، كما سماها الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد ذلك. 

علمت أنا وزملاء آخرون بمجىء جون كيرى إلى مصر، وتوجهه مباشرة إلى المقطم واجتماعه بهيئة مكتب الإرشاد، ونتج عن هذا الاجتماع تغير فى موقف «الإخوان»، وأعلنوا عن أنهم لن يرشحوا واحدًا بل اثنين، خيرت الشاطر ومحمد مرسى، فى انقلاب كامل على موقفهم وعما أعلنوه مسبقًا. 

■ كيف تفسر هذا التغير فى موقف الجماعة؟

- يبدو أن ما حدث هو أن جون كيرى أقنعهم بأن الولايات المتحدة تؤيد وصولهم الرئاسة، ما يعنى أن هناك دعمًا سيتلقونه، لذا عندما جاءتنى فرصة فى مؤتمر صحفى بعد ذلك خارج مصر لسؤال جون كيرى عن هذا الموضوع بشكل مباشر، قال لى: «كانت لدينا (الأمريكان) قناعة وقتها بأن الإخوان أقوى قوة موجودة، وبالتالى إذا لم يتولوا الحكم، فمن الممكن أن تحدث فوضى كبيرة فى البلد».

ويتضح من هنا أن جون كيرى لم ينفِ حثه «الإخوان» على خوض الانتخابات، لذا يبدو أن هذا هو ما غيّر موقف الجماعة الأول، الذى كنت أرى أنه حكيم، إلى موقف آخر أغراهم وخسّرهم الكثير، فقد وصلوا إلى الحكم بسرعة، فتحملوا وزر كل مخلفات الأربعين عامًا السابقة، كما أنهم انكشفوا لأنهم لم يكن لديهم برنامج للتعامل مع هذه التركة المثقلة، وكل ما قيل وقتها من «برنامج النهضة» وغيره «طلع مفيش»، وخرج من بعدها خيرت الشاطر يعلن عن أنه لا يوجد ما يسمى «برنامج النهضة» من الأساس.

■ «الإخوان» طيلة الوقت كانوا يبنون خطابهم على أنهم يمتلكون كوادر فى كل التخصصات، وأنهم إذا أُتيحت لهم فرصة الحكم، فإن كوادرهم سيقودون البلد بسرعة، فإذا بنا لم نجد أى كوادر.. ما تعليقك على ذلك؟ 

- كان الغرب، أيضًا، يدفع بصورة امتلاك «الإخوان» كوادر فى كل التخصصات، حتى إن أحد الدبلوماسيين الغربيين كان يقول: «أنا كنت فى مكتب الإرشاد بالأمس، يمتلكون فلانًا يتكلم الإنجليزية مثل أبناء الإنجليز تمامًا، ولديهم كوادر».

كما أن آن باترسون، السفيرة الأمريكية السابقة، كانت تشدد على ضرورة إعطاء «الإخوان» فرصة، لأنهم «منتخبون»، وللغرابة أن الأمريكيين يتحدثون عن شرعية الانتخابات، بينما هم أنفسهم أطاحوا بأنظمة مُنتخبة فى الأرجنتين وشيلى.

■ فى إطار محاولات «الإخوان» اختراق العملين الثقافى والصحفى، تم منعك من دخول «الأهرام».. ما الذى تتذكره عن ذلك؟

- قرار منعى من دخول «الأهرام» بعد ٥٠ عامًا قضيتها فى المؤسسة، لم يكن واضحًا وصريحًا، لكنه كان تطبيقًا لخبث «الإخوان» وعملهم بالمثل القائل: «يتمسكن لحد ما يتمكن».

فذات يوم كنت أنتظر سيارة «الأهرام» تقلنى إلى مكتبى فلم تأت، واتصلت لأسأل عن سبب تأخرها، فقالوا صدر قرار بسحبها، وأبلغنى بذلك مسئول الجراج، وليس رئيس التحرير أو رئيس مجلس الإدارة، رغم أنهم كانوا يتحدثون معى بطريقة جيدة، ورغم أن «الأهرام» كان بها تقليد من أيام محمد حسنين هيكل، أن كبار الكتاب تكون لهم سيارة خاصة، ومع ذلك تغاضيت عن الأمر وذهبت بسيارتى الخاصة. لم أدرك وقتها أنها محاولات لـ«تطفيشى»، ولم أغادر، فجاءت الخطوة الثانية، وهى أن رئيس التحرير قال لى: «فيه تعيينات جديدة ومحتاجين مكتبك»، فوافقت وجمعت كتبى وأوراقى ونقلتها إلى البيت، وكنت أرسل مقالات بـ«الإيميل»، ولم يعد لى وجود فعلى فى «الأهرام»، فقط مقال باسمى.

وحتى هذا المقال فوجئت بهم يقولون لى: «يوجد كُتاب جدد، لذا سننشر هذا المقال كل أسبوعين»، وعندما وافقت على ذلك اتصل بى مدير صفحة الرأى، وقال لى: «أنا آسف فيه قرار صدر من رئيس التحرير إن كل من يكتب من خارج (الأهرام) يغادر»، وكان معى صلاح منتصر وجابر عصفور، لنخرج من «الأهرام» بهذه الطريقة، ولم يكن لدىّ مانع، لأن كل نظام له أولوياته وتوجيهاته، لكن هناك معاملات إنسانية ينبغى الالتزام بها.

■ ما سبب هذا الموقف فى رأيك.. كتاباتك أم موقفك؟

- كرئيس اتحاد الكتاب ومثقف، كان معروفًا موقفى من «الإخوان»، لكن مقالاتى معظمها آنذاك كانت فى السياسة الخارجية، لأنه ممنوع فى «الأهرام» كتابة مقالات سياسية.

شاركت فى إنشاء «الأهرام ويكلى» باللغة الإنجليزية، و«الأهرام إبدو» باللغة الفرنسية، وكنت أديرها بنفسى لمدة ١٦ عامًا، لكننى فضلت إعطاء فرصة للشباب، وعند مغادرتى لها أقاموا احتفالًا لى، وكنت أتمنى عند مغادرتى «الأهرام» أن يتم منحى «خطاب شكر».

ليست المرة الأولى التى أترك فيها «الأهرام»، فسبق أن فُصلت فى عصر الرئيس الراحل أنور السادات، وتم اعتقالى مرة، ومنعى من الكتابة أنا وأحمد بهاء الدين ونجيب محفوظ.

■ هل اتصل بك الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل فى هذا الوقت؟ 

- كان يوجد تواصل بينى وبين محمد حسنين هيكل، من يوم مغادرته «الأهرام»، وكان لديه علم بكل ما يحدث، لكنه كان يأخذ الأمور ببساطة، ولم أحك له تفاصيل طردى من «الأهرام»، لكنه عرف تفاصيل الخطوات التى حدثت، فاتصل بى وأيقظنى من النوم وهو يضحك، وقال: «رفدوك.. طيب مش يقولوا من الأول بدل سحب العربية».

■ إذن.. ما الأسباب التى دفعته للموافقة على لقاء محمد مرسى؟

- محمد حسنين هيكل كان متفتحًا ولديه أفق وينصح الرؤساء، وقبل هذا كله كان صحفيًا، ولا يوجد صحفى يتلقى طلبًا من رئيس جمهورية لمقابلته، ويقول: «لن أقابله لأن أفكاره لا تناسبنى».

«هيكل» لبى دعوة «مرسى» وذهب إليه، واستفاد منه كصحفى بالحصول على معلومات استقاها واستخدمها، ولو كنت مكانه لم أكن سأذهب، وكنت سأتردد كثيرًا، لكن «هيكل» كان شخصية غريبة واستثنائية. 

■ ما دور «هيكل» فى أحداث «٣٠ يونيو و٣ يوليو»، ومحاولات «الإخوان» اغتياله؟

- «هيكل» كان له دور فى أحداث «٣٠ يونيو و٣ يوليو»، و«الإخوان» حرقوا بيته فى برقاش بكل ما يضمه من وثائق ومقتنيات، وكانت لديهم معرفة يقينية بأن له دورًا، مثلما كان له دور فى ١٥ مايو مع «السادات».

وبيته هذا فى «برقاش» كان يذهب إليه فى نهاية الأسبوع، وتصور «الإخوان» يوم الاعتداء على البيت أن الكاتب الكبير موجود بداخله، وبالتالى كانت هذه الواقعة محاولة لاغتياله، ولم تكن الأولى.

■ من محاولات اختراق «الإخوان» الصحافة وإبعاد المخالفين لهم وإيقاف مقالاتهم إلى اختراق الوسط الثقافى.. ما تفاصيل هذا الاختراق؟

- اختراق «الإخوان» الوسط الثقافى «كوم» وما حدث فى اتحاد الكتاب تحديدًا «كوم آخر»، كنت دائمًا أقول إن النقابات كلها بها «إخوان»، من نقابة الصحفيين إلى نقابات المحامين والمهندسين والأطباء، إنما الأدباء فنانون، لذا ليس من الممكن أن يكون بينهم أحد يؤمن بتطبيق الشريعة بالطريقة المتخلفة التى ينتهجها «الإخوان»، كما أن أفكار الجماعة بعيدة تمامًا عن تكوين الأديب والكاتب.

كنت دائمًا أفخر أمام بقية النقباء بأن اتحاد الكتاب لا يوجد به «إخوان»، لكننى اكتشفت غير ذلك عند إصدار «الإعلان الدستورى»، وهو ما كان صادمًا بالنسبة لى، فقد عقدت اجتماعًا فى اتحاد الكتاب فور إصدار محمد مرسى «الإعلان الدستورى» المُكمم والمرسخ لديكتاتوريته دون محاسبة، بحيث لا تستطيع أى جهة- حتى لو كانت قضائية- مراجعة قراراته، وقررت إصدار بيان ضد هذا الإعلان.

لكننى فوجئت بعدد من أعضاء مجلس إدارة اتحاد الكتاب يعترضون، ويقولون لى إنهم مع «الإعلان الدستورى»، وهنا كانت الصدمة بالنسبة لى، صحيح أننا أصدرنا بالفعل البيان لكوننا أغلبية، لكن فكرة وجود ٣ أعضاء يصرون ويعلنون جهارًا نهارًا عن أنهم مع «الإعلان الدستورى» كانت صادمة.

اكتشفت أن هؤلاء لم يدخلوا إلى اتحاد الكتاب يوم مجىء «الإخوان»، بل هم أعضاء منتخبون فى المجلس وأتعاون معهم لعدة سنوات، هذه «الخلايا النائمة» التى استطاعت بالفعل أن تخدع المجتمع بأكمله، لدرجة أنه فى وزارة الخارجية اكتشفنا وجود «إخوان»، لكنهم كانوا لا يعلنون عن ذلك، ويوم وصول «الإخوان»، جزء من عملية التمكين هو أن كل هذه «الخلايا النائمة» تستيقظ وتبدأ فى العمل والتنسيق.

■ كيف كان رد فعلك عندما رأيت صورة خيرت الشاطر تتصدر عددًا من جريدة «أخبار الأدب»؟

- حزنت حزنًا شديدًا، لأن جريدة «أخبار الأدب» لها تاريخ طويل وكبير، منذ أسسها جمال الغيطانى- رحمه الله- وتكتشف قيمتها الحقيقية عندما تسافر إلى المغرب أو لبنان أو السودان، حيث تعتبر إحدى أدوات القوى الناعمة.

وبالتالى فإن ظهور خيرت الشاطر على الغلاف بـ«وجهه غير الثقافى وغير الأدبى وغير الفنى على الإطلاق»، ليقول إن «برنامج النهضة هو الذى سيعيد لمصر هويتها»، وكأن مصر بلا هوية و«الإخوان» هم من سيعيدون هويتها، كان صادمًا جدًا. 

■ جزء من اختراق «الإخوان» الوسط الثقافى هو وجود بعض المنتمين للعمل الثقافى أو الأدبى، أقرب إلى «كتاب تقارير للإخوان».. ما تعليقك على ذلك؟ 

- الغريب أنهم كانوا يظهرون عكس ما يبطنون، كل من كانوا يكتبون بشأنى التقارير كانوا يقابلوننى بمنتهى الحفاوة والتبجيل لدرجة تخجل، وهو فى نفس الوقت يرسل تقارير إلى «الإخوان»، ويقول لهم إنه يحضر لسحب الثقة من رئيس اتحاد الكتاب مثلما سحب الثقة من الرئيس «مرسى»، وكان من كتب ذلك هو من تولى رئاسة تحرير «أخبار الأدب» لفترة، وهو من وضع صورة خيرت الشاطر على غلافها. 

كيف تفسر ميل بعض الكتاب إلى «الإخوان»؟

- كان هناك نوعان من الكُتاب والمثقفين؛ نوع يركض خلف المصالح، لذا لو جاء «الشيوعيون» بدلًا من «الإخوان»، كانوا سيظهرون بنفس الولاء وتقديم الخدمات، والنوع الثانى، وهم جزء كبير من الشعب ومنهم المثقفون، كانوا يريدون تجربة «الإخوان». وهنا أتذكر كلمة للكاتب نجيب محفوظ وهى أن «الشعب المصرى يتوق لتجربة حكم الإخوان»، وهو ما سمعته منه شخصيًا ونشرته على لسانه بعد ذلك. وكانت رؤية نجيب محفوظ من خلال ذلك، هو أن الناس لم يروا من «الإخوان» إلا كل خير، حيث ترى المساعدة الاجتماعية والتكافل الاجتماعى، ويعتقدون أنهم مظلومون طيلة العمر، وأنهم فى السجون والمعتقلات طوال عمرهم، وفى نفس الوقت كان يوجد اعتراض على الوضع القائم بالنسبة لفترة «مبارك» و«السادات» من قبله. وأؤكد أن نجيب محفوظ كان ضد فكر «الإخوان»، لكن كان يرى أنه لا بد أن يُسمح للجماعة بحزب أسوة ببقية القوى السياسية، إنما لم يكن أحد يتصور أن «الإخوان» سينكشفون بهذا الشكل.