رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عملية «ماجورى»

ليس كل ما تراه هو الحقيقة، عند بحيرة ماجورى فى شمال إيطاليا عند الجانب الجنوبى من جبال الألب، على حدود إيطاليا وسويسرا، منطقة الجمال، ووجهة للسياح، هناك يمكنك استئجار القوارب والذهاب إلى الجزر القريبة.

قبل أسبوعين- وبينما كنا مشغولين بأحداث أخرى- كانت هناك مجموعة من السائحين على متن قارب عند سفح جبال الألب، المجموعة قامت بجولة فى جزر بورومين، وهى أرخبيل على الجانب الغربى من البحيرة، وتوقفت لتناول طعام الغداء فى جزيرة إيسولا دى بيسكاتورى «جزيرة الصيادين»، وأثناء عودتها فجأة هبت عاصفة، وانقلب القارب، غرق ٤، بينما سبح الآخرون إلى بر الأمان. حتى الآن هو مجرد حادث مأساوى تتعاطف معه مثل حادث قرش الغردقة.

فى اليوم التالى، بينما كانت السلطات تتبع حجوزات الفنادق للسياح اتضح أن جميعهم كانوا تابعين لأجهزة المخابرات الإيطالية والإسرائيلية، ومنذ ذلك الوقت لا تزال الأسئلة تهز القارب المقلوب.

أكد مصدر فى الشرطة، يعمل على التحقيق، أن ثمانية من ركاب القارب، البالغ عددهم ٢١ راكبًا، خدموا حاليًا أو سابقًا فى المخابرات الإيطالية، و١٣ على صلة بإسرائيل، وأن الضحايا بينهم مسئول سابق فى جهاز الموساد الإسرائيلى و٣ أشخاص آخرون، بينهم عنصران من الاستخبارات الإيطالية، حسب صحيفة «كوريرى ديلا سيرا» الصادرة فى مدينة ميلانو الإيطالية. يأتى الحادث بعد شهرين فقط من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، روما لتعزيز العلاقات مع إدارة ميلونى.

السؤال المهم هو: ما الذى كان يفعله رجال الاستخبارات الإسرائيلية والإيطالية معًا فى هذا الموقع؟، حسب الصحيفة الإيطالية كانت هناك عملية مشتركة لإحباط نقل سلاح غير تقليدى إلى دولة شرق أوسطية معادية للبلدين دون أن تذكرها. بينما تحدثت تقارير أخرى عن أن الهدف كان روسيا، حيث بدأ التعاون بين منظمتى التجسس فى أعقاب تقارير زعمت أن الأوليجارشية الروسية تعمل فى المنطقة، وتشارك فى نقل الطائرات دون طيار الإيرانية إلى موسكو لاستخدامها فى حرب أوكرانيا.

التحقيقات الاستقصائية الإيطالية، بقيادة «كوريرى ديلا سيرا»، كانت قد كشفت عن تحركات غريبة للروس على الجانب الآخر من شواطئ البحيرة، فى منطقة بيدمونت، وعلى الرغم من العقوبات المفروضة على العديد من الأوليجارشية الروسية نتيجة للحرب فى أوكرانيا، استمرت الأموال فى التدفق لأوروبا، لا سيما عبر سويسرا وإيطاليا. إحدى النظريات، التى أوردتها «ديلا سيرا»، هى أن العملاء كانوا فى بحيرة ماجورى للتجسس على الأوليجارشية الروسية، الذين يقال إنهم يشترون الفيلات والفنادق فى المنطقة، ويتحايلون على العقوبات، والنظرية الأخرى هى أن العملاء الإسرائيليين كانوا يراقبون الاتصالات بين الشركات الإيرانية والشركات الإيطالية الموجودة فى المنطقة الصناعية فى لومباردى.

الإثارة لا تنتهى عند هذا الحد، فقد كشفت سجلات الطيران العام عن وجود طائرة تنفيذية إسرائيلية، عادة ما تُستخدم فى مهام رسمية من قبل السلطات الإسرائيلية، غادرت إسرائيل ثم وصلت إلى ميلانو، ثم أقلعت الطائرة مرة أخرى بالقرب من البحيرة حيث وقع الحادث، وعادت إلى مطار بن جوريون فى تل أبيب. المسئول السابق فى الموساد الذى قُتل على الرغم من تقاعده من الموساد، إلا أنه استمر فى الخدمة فى الاحتياط، وصل مع زملائه لإتمام مهمتهم الأخيرة فى إيطاليا، ودُفن فى عسقلان فى جنازة حضرها العديد من موظفى الموساد وهم يخفون وجوههم خلف أقنعة جراحية فى المقبرة. فالسياح الذين كانوا يستمتعون بعطلة على أحد القوارب فى إحدى الجزر الجميلة كانوا عملاء سريين تنكروا فى هيئة سياح واستقلوا قاربًا فى سلوفينيا أخذهم إلى جزيرة إيسولا دى بيسكاتورى، أصغر جزر بورومين فى بحيرة ماجورى، وبعد إتمام المهمة انقلب بهم القارب بسبب العاصفة.