رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

5 يونيو «1-3»

مرت بنا منذ أيام ذكرى حرب يونيو ١٩٦٧، هذه الحرب الشهيرة التى لا تزال تداعياتها تؤثر على مجريات الأمور فى الشرق الأوسط حتى الآن، على الرغم من مرور عدة عقود، وتوقيع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات. وحتى الآن ما زالت المنطقة فى حاجة مُلِحّة إلى إجراء مراجعات تاريخية جريئة لهذا الحدث المهم وتداعياته الخطيرة التى ما زلنا نعيش تبعاتها إلى اليوم.

وربما تبدأ المراجعة من طبيعة المسمى الذى يطلق على هذه الحرب. فعلى الجانب العربى راق للإعلام- وحتى رجال السياسة- نحت مصطلح غريب بعض الشىء على هذه الحرب وهو «النكسة»، ويُرجِع البعض صك هذا المصطلح إلى الأستاذ هيكل، ولا أدرى هل تأثر هيكل عند صكه هذا الاسم بمصطلح «النكبة»، وهو المصطلح الذى أطلقه العقل العربى على حرب ١٩٤٨؟ لا أميل إلى ذلك، لأن المصطلح الأول- وأقصد به «النكبة»- تم اختياره ليعبّر عن فداحة هزيمة ٤٨ وعِظَم تداعياتها؛ إذ أكدت هذه الحرب قيام دولة إسرائيل، وأدت إلى هزيمة عدة جيوش عربية وليدة، كما خلّفت جرحًا لا يندمل؛ هو مشكلة اللاجئين وحلم العودة.

بينما إذا نظرنا إلى حرب يونيو ٦٧ فإن اختيار مصطلح «النكسة» كان فى حقيقة الأمر اختيارًا إعلاميًا وسياسيًا للتهوين من حجم الهزيمة، رغم التطابق مع حالة النكبة فى هزيمة عدة جيوش عربية، بل والأكثر من ذلك ضياع ما تبقى من فلسطين، بالإضافة إلى سيناء والجولان.

ولقد حاول الجانب المصرى التأكيد على أنها «نكسة» وليست هزيمة، نكسة أصابت المسيرة الوطنية، التى سرعان ما تسترد عافيتها من جديد من خلال شعار «ما أُخِذ بالقوة لا يُسترَد إلا بالقوة» والبدء فى حرب الاستنزاف من أجل إنهاك العدو، والاستعداد لحرب التحرير، وقبل كل ذلك رفع الروح المعنوية التى كانت قد وصلت لحالة يُرثى لها. لكن فى حقيقة الأمر كان الجميع- فى مصر والعالم العربى- يدرك أنها هزيمة، وهزيمة قاسية.

وعلى الجانب الإسرائيلى تم صك مصطلح «حرب الأيام الستة»، وهو هنا أيضًا مصطلح إعلامى سياسى لكنه يستند إلى انتصار لم تكن حتى إسرائيل تتوقعه. تم اختيار هذا المصطلح لتروج آلة الإعلام الإسرائيلية للعالم كله أنه فى ستة أيام استطاع «الجيش الذى لا يقهر» أن ينتصر على ثلاث دول عربية، والأهم من ذلك أن يعيد توحيد شطرى «أورشليم» القدس. وهنا أيضًا نلمح كم الأيديولوجية وحجم الغرور الإسرائيلى، استنادًا لرواية الكتاب المقدس أن الإله قد بنى العالم فى ستة أيام واستراح فى اليوم السابع!

هكذا تفعل الأيديولوجيا والبروباجندا فعلهما سواء فى حالة الهزيمة أو النصر.