رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الموسيقى العربية.. لا مهرجان بدون "نجوم الأوبرا"

يعد مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية، أحد أهم الأحداث الفنية التي يتردد صداها من المحيط إلى الخليج، كل عام، وينتظره السميعة وعشاق الموسيقى، فمنذ تأسيسه وإقامة أولى دوراته عام 1992، على يد الدكتورة الراحلة رتيبة الحفني، فى عهد الدكتور الراحل ناصر الأنصاري رئيس دار الأوبرا المصرية آنذاك وعهد الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، وأصبح إحدى أهم أيقونات المحافل الفنية المصرية التى تحظى باهتمام خاص من وزارة الثقافة، ونجوم ورموز الطرب من مصر والوطن العربى بأكمله، وبعد رحيل الدكتورة رتيبة الحفني استكملت إدارة المهرجان المخرجة جيهان مرسي، برئاسة الدكتورة إيناس عبد الدايم، التى شهد المهرجان فى عهدها تطورا كبيرا ومن ثم الدكتور مجدي صابر، برفقة أعضاء اللجنة التحضيرية وعلى رأسهم محمد منير المعداوي رئيس الإدارة المركزية للموسيقى الشرقية والمركز الإعلامي للأوبرا منذ عام 2013 ، حتى وصول جيهان مرسي لسن التقاعد، واتمام الدورة الـ32 للمهرجان العام الماضي 2022، وطوال هذه السنوات كان يسعى الجميع لتنفيذ وصيتها من أجل الحفاظ على الريادة الفنية والموسيقى العربية، فكانت أولى وصايا دكتورة رتيبة الحفني التي صرحت بها نجلتها دكتورة «علا الحفنى» هى الاهتمام بمهرجان الموسيقى العربية التى كانت دائمًا تقول عنه "ابني البكري".

ومن ثم جاء قرار تولى المايسترو هانى فرحات، لادارة الدورة الجديدة الـ32 المقرر إقامتها خلال أكتوبر المقبل، الأمر الذى خلق فى البداية فرحة عارمة، بين نجوم الطرب والموسيقى، ظهرت بشكل لافت على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رحب وأشاد الكثيرون بقرار الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة، التي أصدرت القرار واجتمعت بداية مايو الجارى، مع الدكتور خالد داغر رئيس دار الأوبرا المصرية والمهرجان، برفقة المايسترو هاني فرحات، للوقوف على أهم ملامح ترتيبات المهرجان وتفاصيل الاستعداد لإقامته إلى أن خرج الأخير بتصريحات صادمة للجميع خلال أحد الحوارات الصحفية، تفيد بعدم مشاركة المطربين الذين شاركوا آخر دورتين في الدورة الجديدة، ونجوم الأوبرا وفرق الموسيقى العربية، ما أثار حالة ارتباك وغضب وحفيظة المطربين وفرق الأوبرا للموسيقى العربية، ومن ثم شنوا هجوما حادا عليه مفعلين هاشتاج #كل الدعم لمطربي_الأوبرا، وذلك تهميش دورهم واستبعادهم من الفعاليات بحجة أنهم شاركوا فى دورات متتالية للمهرجان، واعتبروا أن تصريحاته إقصاءً لهم من المهرجان، رغم أن هذا الحدث الأضخم منذ بدايته اعتاد مشاركة فرق الموسيقى العربية، كما أنه نافذة قوية لعرض المواهب الجادة، ولعل هدفه الأساسي هو إحياء الموروث التراثي الموسيقي والغنائي؛ ليعيد للأذهان الحضور المميز لرموز الطرب العربي بأصوات أوبرالية تحمل أصالة زمن الفن الجميل.

وهنا بدأت «الدستور» فى البحث وراء هذه الأزمة وحاولنا التواصل مع «فرحات» لكنه لم يرد على هاتفه تمامًا.. وهنا أيقنت أنه ربما يكون منشغلًا أو يجهز لبيان مُحكم يقدم من خلاله واجب الاعتذار لهؤلاء أو تصحيح تصريحاته التى أدلى بها أو حتى إن التنويه بأن «التعبير خانه» كما أكد لنا الدكتور خالد داغر رئيس الأوبرا، فى تصريحات خاصة ولم يقصد تهميش أو استبعاد مطربي الأوبرا، بينما كان يقصد بعض الفنانين العرب الذين اعتادوا المشاركة في المهرجان بشكل دوري وسنوي، على حد قوله.

وكانت الصدمة الأكبر فى البيان الصحفى الذى أصدره المكتب الإعلامي الخاص بـ «فرحات» فلن يذكر دور مطربي الأوبرا خلال الدورة الجديدة نهائيًا، خلال البيان لا من قريب ولا من بعيد، ما أثار استفزاز هؤلاء بشكل أوسع.

كما علم «الدستور» من مصادر خاصة أن هانى فرحات، لم يقدم خطة أو خريطة واضحة للمسئولين تتعلق بشأن الدورة الجديدة، كما يفعل أي مسئول يتولى إدارة فعاليات رسمية، أو حتى خروجه ببيان رسمي لخطته لهذا الحدث العريق، على الرغم من أنه كان قد عقد أول الاجتماعات التحضيرية والتمهيدية للجنة العلمية الخاصة بمؤتمر ومهرجان الموسيقى العربية، منذ ٣ أسابيع، وضم الاجتماع كلا من الموسيقار هاني فرحات، مدير المهرجان، وأماني سعيد، رئيس الإدارة المركزية للموسيقى الشرقية، والمايسترو تامر غنيم، المشرف الفني للمهرجان، وأعضاء اللجنة العلمية وهم الدكتورة رشا طموم، والبروفيسير عصام الملاح (من خلال zoom) والدكتورة حنان أبوالمجد، والدكتور أحمد الطويل، والدكتور محمد شبانة، والدكتورة إيناس جلال، والدكتورة شيرين عبداللطيف، والدكتورة نجلاء، وكريمان حرك.

لم يكن الهدف الرئيسي من إقامة مهرجان الموسيقى العربية، الحضن الكبير لكل الأشقاء العرب فقط، بل هو وسيلة لاتساع الساحة أمام مطربي الأوبرا أيضًا، وشق طريق النجومية والشهرة من بوابته وافراز مواهب شابة جديدة تبحث عن طريق آمن للعبور إلى الجمهور والدفاع عن تراثنا الموسيقي أيضا، كما أنه درعا قويًا ضد الابتذال ومحاولات تشويه هويتنا وموسيقانا، وخلق جيل جديد يخدم التراث ويحافظ عليه.

وهنا لا يمكن أن ننسى أو ننكر فضل الدكتور القدير الراحل أحمد الحفني، صاحب فكرة إطلاق مؤتمر الموسيقى العربية الذى تم انعقاده لأول مرة عام 1932 بهدف الحفاظ على هويتنا، ويعتبر هذا المؤتمر إلى اليوم، واحدًا من أهم المحطات في تطور التاريخ الحديث للموسيقى العربية، حيث شهدت الموسيقى العربية في القاهرة نوعًا من ولادة جديدة، فقد اجتمع حينها حشد من الموسيقيين والنقاد والمؤرخين للموسيقى من جميع أنحاء العالم العربي، للمرة الأولى للوقوف على تفاصيل الموسيقى العربية ولتبادل الخبرات في حوار جاد بين الثقافات، وكانت من بين هؤلاء شخصيات موسيقية عالمية أمثال بيلا بارتوك، باول هيندميث، هنري رابو، وكورت ساكس، وكوكبة من الموسيقيين العرب كان فى مقدمتهم الموسيقار محمد عبدالوهاب، والموسيقار العراقي محمد القبانجي؛ وبعودة المؤتمر للحياة مع انطلاق مهرجان الموسيقى العربية فى عهد نجلته الدكتورة رتيبة الحفني «رحمة الله عليها»، تمت مناقشة قضايا مهمة تتعلق بالموسيقى العربية، وكل عام تدعو إدارة المهرجان والأوبرا عددا من علماء الموسيقى العربية في عالمنا العربية أو المستشرقين المهتمين بالموسيقى العربية، لبحث القضايا الموسيقية التي تحدد كل عام من قبل اللجنة العلمية للمهرجان، وبالتالي أصبح المهرجان والمؤتمر منوطين لهما الدفاع عن الهوية من خلال إحياء التراث عبر مشاركات نجوم وفرق الغناء العربى.

نأمل من الدكتور خالد داغر رئيس دار الأوبرا ومهرجان الموسيقى العربية، وضع خطة مُحكمة لإقامة دورة تليق بتاريخ وقيمة هذا الحدث العريق، دورة تُعبر عما تملكه مصر من تاريخ كبير في مجال الموسيقى العربية، والاهتمام بنجوم الأوبرا واستقطاب نجوم الطرب الأصيل من مصر والوطن العربي، إلى جانب إفساح المجال للمواهب الشابة والمتميزة لترى مواهبهم النور.