رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان والاختيار الصعب

تعيش تركيا أجواء انتخابات مهمة ومصيرية، ليس فقط بالنسبة للشعب التركى، ولكن أيضًا لدول الجوار، وربما شرق البحر المتوسط كله؛ إذ ربما تسفر هذه الانتخابات عن انتهاء «حقبة أردوغان» التى استمرت قرابة عشرين عامًا. هذه الحقبة التى شهدت تركيا فى بداياتها نموًا اقتصاديًا كبيرًا، سمح بدخول تركيا «نادى العشرين»، أى أقوى عشرين اقتصادًا على مستوى العالم، كما شهدت بداية هذه الحقبة أيضًا الصعود الكبير لنجم وشعبية أردوغان، ليس فى تركيا فحسب، بل فى المنطقة العربية.

كما تصاعد الدور التركى فى شرق المتوسط آنذاك لا سيما مع اتباع أفكار السياسى والاستراتيجى الكبير داود أوغلو، الذى رسم ملامح السياسة الخارجية الجديدة لتركيا من خلال مبدأ «زيرو مشاكل».

لكن خبرة التاريخ تدلنا على أن أكبر عدو لأى سياسى محترف هو طول فترة استمراره فى الحكم، وهو الخطأ الكبير الذى وقع فيه أردوغان، مثلما وقع فيه من قبل الكثير من الساسة. وهنا يبرز المتغير الكبير الذى يمثل تحديًا كبيرًا لأردوغان، هذا التحدى الذى ربما يطيح بأحلامه فى الاستمرار بالحكم لدورة مقبلة. 

إن استمرارية أردوغان فى الحكم على مدى العشرين سنة الأخيرة أدت إلى تزايد تراكم الأخطاء بشكل كبير. ولم تتغير ذهنية أردوغان كثيرًا لتوائم المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية. من هنا يرى بعض المراقبين أن الخطر الأكبر أمام أردوغان هو جيل الشباب الذى عاش طفولته فى بدايات حقبة أردوغان، وشب عن الطوق الآن ليرى حاكمًا لا يزال يحكم بعقلية القرن الماضى، ولا يستطيع مجاراة آمال وأحلام الشباب التركى. لذلك يشير بعض المراقبين إلى أن الكتلة التصويتية للشباب التركى ستذهب أغلبيتها فى اتجاه التغيير والتصويت لصالح مرشح المعارضة. 

وابتعدت الكتلة التصويتية للأكراد كثيرًا عن أردوغان نتيجة تغير سياسته، وموقفه من المسألة الكردية سواء فى تركيا أو سوريا أو العراق، والأكراد فى تركيا يمثلون تقريبًا خُمس السكان. كذلك سيفقد أردوغان معظم أصوات الكتلة التصويتية للطائفة العلوية فى تركيا، وهى تشكل نسبة لا بأس بها من مجموع سكان تركيا، خاصةً أن مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو ينتمى إلى الطائفة العلوية، وهو السلاح الذى استخدمه أردوغان نفسه لجذب أصوات السُنة فى تركيا إليه. ومن المرجح أن تصوِّت المدن الكبرى فى تركيا لا سيما إسطنبول وأنقرة وأزمير لصالح مرشح المعارضة، لرفض معظم سكان هذه المدن سياسات أردوغان الاقتصادية، فضلًا عن رفض سياسة أردوغان فى فتح البلاد أمام اللاجئين. وعلى الجانب الآخر يجد أردوغان نفسه فى موقف صعب، لذلك سيركز فى دعايته الانتخابية على أصوات سكان الأناضول قاعدته الانتخابية الأساسية، لا سيما السُنة منهم، هذا فضلًا عن أصوات أتراك الخارج الذين يميلون تجاه أردوغان الذى فى رأيهم يمثل الهوية الإسلامية لتركيا. كما سيلعب أردوغان على ورقة المجنسين حديثًا بالجنسية التركية، وهؤلاء يدينون بالفضل لأردوغان فى هذا الشأن. وأدرك أردوغان أثر الأزمة الاقتصادية فى البلاد على شعبيته، لذلك أصدر مؤخرًا قرارًا بزيادة الرواتب فى محاولة أخيرة لجذب كتلة تصويتية إليه، وحرمان المعارضة من هؤلاء.

نحن بحق أمام انتخابات مهمة ومصيرية فى تاريخ تركيا والمنطقة بشكل عام.