رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى تحرير سيناء

آخر صفحات نكسة يونيو ١٩٦٧ طويناها فى مثل هذا اليوم، منذ ٤١ سنة، بعد أن استندنا إلى انتصارنا العسكرى فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ المجيدة، لنحسم «معركة السلام»، التى أثبتنا بها أن مستقبل الأوطان لا تصنعه الشعارات والمهاترات والمزايدات، وأن مقدرات الشعوب لا تتحقق بخطوات غير محسوبة العواقب.

الطريق إلى ذلك اليوم كان مليئًا بمنعطفات ومطبات ومراوغات وتلكيكات وألغام، سبقت وتلت توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، التى كانت ستصبح حبرًا على ورق، لو تمكّن الإسرائيليون من العثور على خرم إبرة، يتيح لهم تطبيق سياستهم الثابتة فى تضييع الوقت والتنصل من العهود وعرقلة المعاهدات وتجاهل كل المواثيق والأعراف الدولية. ولعلك تعرف أن سوريا، مثلًا، كانت قد وقعت اتفاق فض اشتباك فى مايو ١٩٧٤، وفى ديسمبر ١٩٨١، أعلنت إسرائيل عن ضم الجولان، الذى صار أمرًا واقعًا، واعترفت به الولايات المتحدة منذ ثلاث سنوات، برغم مخالفته القانون الدولى وقرارًا أصدره مجلس الأمن.

لا سلام بلا قوة. ومنذ القرن الأول الميلادى، أكد الإمبراطور الرومانى هادريان أن تحقيق السلام لا يكون إلا بالقوة أو تحت التهديد. وبعده بقرون، قال جورج واشنطن، قائد الجيش القارى الأمريكى خلال حرب الاستقلال، وأول رؤساء الولايات المتحدة، إن «الاستعداد للحرب هو أكثر الوسائل فاعلية لتحقيق السلام». كما كانت عبارة «تحقيق السلام باستخدام القوة» عنوانًا لكتاب صدر سنة ١٩٥٢، عن خطة وضعها برنارد باروخ، مستشار الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت لشئون الحرب العالمية الثانية. ويمكنك أن تضيف إلى ما سبق، عبارة «ما أُخِذ بالقوة.. لا يُستَرد بغير القوة»، التى كان يردّدها الزعيم جمال عبدالناصر.

فى ‎٤ فبراير ‎١٩٧١، كان الرئيس محمد أنور السادات هو أول رئيس أو مسئول عربى يبدى استعداده لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، منذ أن بدأ الصراع العربى الإسرائيلى. وفى ١٦ أكتوبر ‎١٩٧٣، دعا أمام مجلس الشعب، فى خطاب النصر، إلى عقد مؤتمر دولى، يتقرر فيه السلام العادل الدائم. وتأكيدًا لما تضمنته الفقرة السابقة، قوبلت الدعوة الأولى بالتجاهل التام، بينما جرى الترحيب بالدعوة الثانية وبدأت «معركة السلام»، أو المرحلة الثانية لتحرير الأرض بالمفاوضات، بعد ستة أيام من إطلاقها، أو بعد اليوم السادس عشر من بدء حرب أكتوبر، التى حققنا فيها انتصارًا عظيمًا، لا يزال التاريخ العسكرى متوقفًا أمامه. 

بدأت أولى جولات «معركة السلام» بمفاوضات الكيلو ١٠١، فى أكتوبر ونوفمبر ١٩٧٣ ولم تنته باتفاقية السلام، الموقعة فى ٢٦ مارس ١٩٧٩، بوساطة أمريكية، والتى أعادت لمصر، على الورق، أرضها المحتلة كاملة، وبعد تجاوز منعطفات ومطبات ومراوغات وتلكيكات وألغام، كان أبسطها تلاعب الإسرائيليين فى ١٣ علامة حدودية، جرى فى ٢٥ أبريل ١٩٨٢ رفع العلم المصرى على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوبها، ثم خضنا معركة دبلوماسية وقانونية استغرقت سبع سنوات لاسترداد طابا. غير أن التركيز على توازن القوى وليس على توازن المصالح، كما أوضحنا فى مقال سابق، أعاد إلينا شبه جزيرة سيناء منزوعة أو مكتوفة السلاح. وجعلها، نقطة ضعف أساسية، أو ثغرة، فى جدار أمننا القومى. وبالتدريج، صارت ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية والخارجين على القانون، وقاعدة انطلاق للأعمال التخريبية فى الوادى والدلتا.

.. وأخيرًا، كنا، ولا نزال، أمام كيان أثبت منذ تأسيسه، أنه لا يتنازل عن شبر واحد، إلا مضطرًا، مكرهًا، أو رغم أنفه. بل إنه تمكن من تحويل، أو تحوير، مبدأ «الأرض مقابل السلام» إلى «السلام مقابل السلام»، بعد أن أفرغ السلام نفسه من مضمونه، ولم يعد هو ذلك السلام القائم على العدل، والمَبْنى على احترام القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة، الذى حاربنا من أجله ولم يكن بإمكاننا انتزاعه إلا بانتصاراتنا العسكرية، السياسية، الدبلوماسية والقانونية، كما لم يكن بوسعنا الحفاظ عليه، وعلى طهارة ترابنا الوطنى، واستقلال قرارنا السياسى، إلا بقواتنا المسلحة القادرة، برًا وجوًا وبحرًا، التى أعادت تحرير سيناء، بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وأعادت لأرض الفيروز ملامحها التى شوهتها الحروب وأيادى الإرهابيين.