رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كنز المحبة.. الملفات الساخنة فى اللقاء التاريخى بين البابا تواضروس وبابا الفاتيكان

البابا تواضروس والبابا
البابا تواضروس والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان

١٠ أعوام مرت على اللقاء الأول بين البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، الذى عقد فى عام ٢٠١٣، و٥٠ عامًا على اللقاء الأشهر بين البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ١١٧ فى تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية، والبابا يوحنا بولس السادس، بابا الفاتيكان، بعد أن جمع بينهما لقاء شهير فى عام ١٩٧٣. 

وبهذه المناسبة يتأهب البابا تواضروس الثانى لزيارة روما والفاتيكان فى الفترة من ٩ إلى ١٤ مايو المقبل، ليلتقى بابا الفاتيكان فى صباح يوم الـ١٠ من مايو، فى لقاء يجمع بين رأسى الكنيستين، ويعد خطوة إيجابية فى طريق الوحدة والتقارب بين الكنائس المسيحية المختلفة.

«البابوان» يستقبلان «المؤمنين».. ويقيمان صلاة مشتركة فى «أم المخلّص»

قال الأب هانزى ديستيفيل الدومنيكى، عضو المكتب الفاتيكانى لتعزيز الوحدة المسيحية بالفاتيكان، إن البابا تواضروس الثانى سيشارك نظيره البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان، فى الاستقبال العام للمؤمنين، المقرر أن يترأسه الأخير يوم الأربعاء الموافق الـ١٠ من مايو ٢٠٢٣، فى ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، بعد أن يلتقيا للمرة الأولى خلال الزيارة التى ستبدأ فى اليوم السابق على ذلك.

وأضاف: «فى العاشر من مايو المقبل سنحتفل بالذكرى الخمسين للاجتماع الأول بين البابا بولس السادس، بابا الفاتيكان، والبابا شنودة الثالث البطريرك الـ١١٧، وذلك بعد ١٥ قرنًا من (انفصال خلقيدونية)»، مشيرًا إلى المجمع المسكونى الشهير الذى تسبب فى انفصال الكنائس الشرقية عن الغربية. وتابع: «فى صباح اليوم التالى سيستقبل البابا فرنسيس نظيره البابا تواضروس الثانى فى لقاءٍ خاص مع وفده، وسيتبادلان الخطابات، ثم سيقضى قائدا الكنيستين فترةَ الصلاة فى كنيسة (أم المخلّص) بالفاتيكان».

وأشار إلى أن البابا تواضروس الثانى سيترأس صباح الأحد الموافق الـ١٤ من مايو، صلاة القداس الإلهى فى كنيسة القديس يوحنا فى لاتران، بحضور آلاف الأقباط المقيمين فى روما، موضحًا أن الكنيسة الكاثوليكية تعترف بأن الأسرار المقدسة للكنيسة الأرثوذكسية صالحة، حتى لو كان هناك انقسام بينهما.

وعن طبيعة العلاقات بين الكاثوليك والأقباط الأرثوذكس، أكد مسئول الوحدة المسيحية بالفاتيكان أن العلاقات جيدة جدًا، مضيفًا: «لقد فعل البابا تواضروس الثانى الكثير للعلاقات المسيحية فى مصر منذ بداية بطريركيّته».

وواصل: «رغم أن الكنيسة الأرثوذكسية تعد الأكبر فى الشرق الأوسط وتضم نحو ١٠ ملايين مسيحى يمثلون حوال ١٠٪ من سكّان مصر، إلا أن هذا لم يمنع البابا تواضروس الثانى من العمل على تعزيز الحوار بين المسيحيين، فهو- على سبيل المثال- مَن أسس المجلس المسكونى للكنائس، برئاسةٍ دورية، كما كان حاضرًا عند تجليس البطريرك القبطى الكاثوليكى الأنبا إبراهيم إسحق فى عام ٢٠١٣، وهو ما لم يحدث فى التاريخ من قبل، وهذا يدل على انفتاحه على الأقباط الكاثوليك الذين لا يتجاوز عددهم بضع مئات الآلاف».

الكنائس: الزيارة تعمق التقارب والمودة كما أراد السيد المسيح

أشاد مختلف الكنائس المسيحية بالزيارة المرتقبة للبابا تواضروس الثانى إلى الفاتيكان، مشيرة إلى أهمية تلك الزيارة لتعزيز الوحدة بين الكنيستين الكبيرتين.

وقال القمص إبراهيم إبراهيم حنا، كاهن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بفيينا، لـ«الدستور»، إن البابا تواضروس الثانى يلقب بـ«بابا المحبة»، لأنه يسعى دائمًا إلى تحقيق الوحدة بين الكنائس المسيحية كلها، عبر التعاون والمودة، وتعزيز الاتفاق فى أمور كثيرة بما يناسب التقليد الكنسى القبطى الأرثوذكسى.

وأضاف: «البابا يسعى دائمًا إلى العلاقات الشاملة والوحدة الكاملة بما يتناسب مع التقليد الأرثوذكسى السليم، الذى تسلمناه من القديس مار مرقس الرسول، والذى لم يتنازل عنه البابا تواضروس الثانى نهائيًا». فيما قال الأنبا كيرلس وليم، مطران الكنيسة الكاثوليكية بأسيوط، إن الزيارة المرتقبة واللقاء بين رأس الكنيستين يعدان دون شك خطوة إيجابية على طريق السعى إلى وحدة الكنائس المسيحية، كما أراد السيد المسيح.

وأضاف: «البابا تواضروس الثانى أراد أن يخلد الذكرى الخمسين للقاء أول بطريرك قبطى أرثوذكسى ببابا الكنيسة الكاثوليكية منذ الانفصال بينهما سنة ٤٥١ ميلادية، وكذلك الذكرى العاشرة للقائه هو بالبابا فرنسيس».

وأعرب «وليم» عن رغبته فى أن يجرى الاحتفال كل عام بيوم الـ١٠ مايو كعيد للأخوة الأرثوذكسية الكاثوليكية، مضيفًا: «ستكون المرة الأولى فى التاريخ التى يلقى فيها بطريرك أرثوذكسى كلمة إلى جماهير المؤمنين المحتشدين فى ميدان القديس بطرس للقاء الأسبوعى، إلى جانب كلمة بابا الكاثوليك، كما ستكون المرة الأولى التى يحتفل فيها بطريرك أرثوذكسى بالقداس فى بازليك القديس يوحنا اللاترانى، وهى كاتدرائية بابا روما، ونرافق بصلواتنا هذه الزيارة المباركة، ليكمل الرب فى الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة التى يراها عمل الوحدة الشاملة لكنيسته».

من جانبه، قال القس رفعت فكرى، رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية، لـ«الدستور»، إن الزيارة تعد من أهم الزيارات رغم أنها ليست الأولى بين الكنيستين، مشيرًا إلى أهميتها الكبيرة لتعميق الوحدة المسيحية.

وأضاف: «اللقاء بين بابا الأرثوذكس وبابا الكاثوليك هام للغاية، لأن الإيمان المسيحى واحد فى جوهره، وأساسياته واحدة لدى الطوائف المسيحية كلها، لذا لا بد من تعميق الوحدة مع الإقرار بوجود اختلاف، لأن الأمور التى نختلف فيها هى أمور ثانوية ولا يجب أن تكون سببًا لرفض بعضنا بعضًا».

وتابع: «أنا سعيد جدًا بالزيارة المرتقبة، وأتمنى أن تكون خطوة إيجابية فى طريق التقارب والوحدة التى نتمناها، والتى لا يجب أن تكون وحدة صورية، بل يجب أن نكمل بعضنا بعضًا». 

باحثون ورهبان: تدعم الحوار اللاهوتى بين الأرثوذكس والكاثوليك

كشف كريم كمال، الكاتب والباحث فى الشأن القبطى، عن أن زيارة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إلى دولة الفاتيكان، المقررة فى مايو المقبل، تتزامن مع الذكرى الخمسين لزيارة البابا الراحل شنودة الثالث إلى الفاتيكان.

وأوضح «كمال» أنه «قبل ٥٠ عامًا زار البابا الراحل شنودة الثالث الفاتيكان، والتقى البابا بولس السادس، فى زيارة دشنت لبدء الحوار بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية بعد ١٠٠٠ عام تقريبًا من القطيعة، كما أنها تأتى بمناسبة الذكرى العاشرة لزيارة البابا تواضروس الثانى للفاتيكان ولقائه البابا فرنسيس بابا روما الحالى».

وأضاف الباحث فى الشأن القبطى: «خلال الـ٥٠ عامًا الماضية، عُقد العديد من اللقاءات اللاهوتية التى ساعدت فى التقارب بين الكنيستين، وهنا يجب أن نتذكر الراحل الأنبا بيشوى، مطران دمياط وتوابعها سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الذى قاد هذه الحوارات كممثل للجانب القبطى، والتى مثلت جانبًا هامًا فى العلاقة بين الكنيستين».

ورأى أنه «رغم ذلك يظل عامل الوحدة الكاملة بين الكنيستين ليس بقريب، فما زال أمام الكنيستين عدد من القضايا اللاهوتية الكبيرة التى لم تُحسم بعد وتحتاج إلى لجان مشتركة على مستوى لاهوتى عالٍ، مثل عصمة البابا، وعقيدة المطهر، وعقيدة الحبل بلا دنس، وهى بعض العقائد الأساسية التى تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية وترفضها الكنيسة القبطية».

وتابع: «من المشاكل العالقة أيضًا بين الكنيستين، علاقة الفاتيكان بكنيسة المشرق النسطورية، التى بدأت عام ١٩٩٤ فى روما بالتوقيع على بيان مشترك بين بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثانى وبطريرك كنيسة المشرق النسطورية مار دنخا الرابع، بعد ٦ سنوات فقط من توقيع وثيقة مشتركة مع الكنيسة القبطية تحرم فيها تعليم أوطاخى ونسطور، وصولًا إلى اتفاق قريب بين الكنيستين حول الأسرار الكنسية».

وشدد الكاتب والباحث فى الشأن القبطى على أن «زيارة البابا تواضروس المرتقبة إلى الفاتيكان هى زيارة محبة ودعم لاستمرار الحوار اللاهوتى بين الكنيستين، والذى نأمل أن يؤدى فى النهاية إلى الوحدة المسيحية على أسس عقائدية سليمة».

وردًا على انزعاج البعض من عزم البابا تواضروس الثانى الصلاة فى كاتدرائية كاثوليكية بالفاتيكان، قال «كمال»: «لا يجب أن نعطى الأمر أكبر من حجمه، لأن هناك كنائس كثيرة خارج مصر مؤجرة من الكنيسة الكاثوليكية، كما أنه من الناحية الطقسية لا يوجد مانع لإتمام هذه الصلاة».

وبيّن أنه «بكل تأكيد قداسة البابا تواضروس سيلتزم بوضع لوح مقدس على الهيكل، وسيقصر المشاركة فى الصلاة على الأقباط فقط، وفقًا لما تم إعلانه بشأن هذه الصلاة، وأنا على يقين بأنه لن يحدث عكس ذلك، لأن الخلافات اللاهوتية ما زالت قائمة بين الكنيستين، ولا يستطيع أحد كسرها إلا بعد حلها وموافقة مجامع الكنيستين على ذلك».

واختتم بقوله: «نصلى من أجل نجاح الزيارة لتكون خطوة جديدة فى التقارب بين الكنيستين».

وقال الراهب جون الدومنيكانى، أستاذ اللاهوت العقائدى فى المعهد الكاثوليكى بالقاهرة، إنه بعد «انشقاق» مجمع خلقيدونية عام ٤٥١، كانت هناك محاولات كثيرة جدًا للتقارب بين الكنيستين القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية، ومنذ العصور الوسطى، كان هناك عدد من البابوات والبطاركة يعقدون اتفاقيات بين الكنيستين، أحيانًا تنجح وأخرى تبوء بالفشل.

وأضاف: «زار البابا شنودة الثالث الفاتيكان عام ١٩٧٣، كأول بطريرك فى العصر الحديث يُجرى مثل هذه الزيارة، والتقى مع البابا بولس السادس بابا الفاتيكان، وأطلق حوارًا بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، إلى جانب توقيع اتفاقية كريستولوجية بين الكنيستين وقتها». 

وأشار إلى أن «هذه الخطوة سبقتها دعوة البابا كيرلس السادس للبابا بولس السادس للمشاركة فى افتتاح كاتدرائية العباسية، لكن الأخير لم يستطع الحضور، وأرسل له رفات مار مرقس الرسول، ثم رفات القديس أثناسيوس الرسول».