رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل المسكونون بأرواح شريرة هم مرضى نفسيون؟.. كنيسة الروم تجيب

الجن
الجن

أطلق الباحث يانيس قنسطنطينيدس، عبر صفحة إيماننا الأرثوذكسي القويم، المتخصصة في خدمة أبناء كنيسة الروم الأرثوذكس الناطقين باللغة العربية بمصر والوطن العربي، تصريحًا صحفيًا منذ قليل، أجاب خلاله عن تساؤل هل المسكونون بأرواح شريرة هم مرضى نفسيون؟ 

وقال: للحديث عن الممسوسين بالأرواح الشريرة، حتى لو اعتبر بعض التقدميين المزعومين أن مثل هذه المناقشات عفا عليها الزمن وأنها عودة إلى العصور الوسطى، يجب أن نبدأ من الاعتراف بها أو رفضها.

دعونا نعترف قبل كل شيء، وفقًا لتعاليم الكتاب المقدس، بوجود الأرواح الشريرة والشياطين، ودعونا نرفض أن الممسوسين يعانون من أمراض عضوية وأمراض عصبية أو نفسية.

لأننا إذا اعترفنا بأن الإنسان الممسوس يعاني من مرض الصرع، أو هستيريا، أو أي مرض نفسي آخر، فنحن نرفض تلقائيًا وجود الشياطين والأرواح الشريرة وأنها تؤثر على حياتنا، عكس ما قاله الكتاب المقدس عندما عرف الروح الشرير رب المجد يسوع بأنه الإله الحق قائلًا: "آهِ! ما لنا ولكَ يا يَسوعُ النّاصِريُّ؟ أتَيتَ لتُهلِكَنا! أنا أعرِفُكَ مَنْ أنتَ: قُدّوسُ اللهِ". (إِنجيلُ لوقا 4: 34).

وبناءً على ذلك، فإنه عندما تستحوذ الشياطين على إنسان معين فهذه ليست خطيئة بحد ذاتها لهذا الإنسان، وفقًا للإنجيليين والمسيح نفسه، لأن الشياطين تتملك أناسًا دون أن يدركوا ذلك.

لذك، فإن استحواذ الشياطين تعتبر حالة روحية للإنسان المصاب، تظهر فيه صفات وأعراضًا خارجية وتشعبات مرضية تخص هذه الحالة (حالة تملك الشيطان)، ولكنها ليست بأي حال من الأحوال مرضًا عقليًا أو نفسيًا كما يفترض بعض المتعلمون.

يمكن علاج الأمراض العقلية البحتة بالطرق العلاجية الحديثة.. ولكن بماذا يتم التغلب على الاستحواذ الشيطاني للإنسان؟؟ طبعًا فقط بالصوم وبالصلاة إلى الله الذي قوته أقوى من قوة الشيطان كلها.

إذن، هناك حاجة إلى الوقاية والتحصن بالسلاح الواقي لحمايتنا، مثل المشاركة في أسرار الكنيسة، لأنه عندما نكون مع الله لا داعي للخوف من الشيطان. ولذلك يقول الرسول بولس: "البَسوا سِلاحَ اللهِ الكامِلَ لكَيْ تقدِروا أنْ تثبُتوا ضِدَّ مَكايِدِ إبليسَ. فإنَّ مُصارَعَتَنا لَيسَتْ مع دَمٍ ولَحمٍ، بل مع الرّؤَساءِ، مع السَّلاطينِ، مع وُلاةِ العالَمِ علَى ظُلمَةِ هذا الدَّهر، مع أجنادِ الشَّرِّ الرّوحيَّةِ في السماويّاتِ. مِنْ أجلِ ذلكَ احمِلوا سِلاحَ اللهِ الكامِلَ لكَيْ تقدِروا أنْ تُقاوِموا في اليومِ الشِّرّيرِ، وبَعدَ أنْ تُتَمِّموا كُلَّ شَيءٍ أنْ تثبُتوا." (أفَسُسَ 6: 11-13).

وبالنظر إلى واقع أن أعراض الممسوسين تشبه إلى حد بعيد أعراض المرضى عقليًا، فإن التمييز بينهم يكون صعب للغاية، بينما يعتبر الكثيرون من الأطباء مثل هذه الحالات من مظاهر المرض العقلي.. ولكن قد تكون الحالة مختلفة تمامًا، وتحتاج إلى علاج مختلف.

إن علاج المرضى النفسيين هو مسئولية الطبيب النفسي، بينما علاج الممسوسين تقع على عاتق الكنيسة والأب الروحي المناسب، لأن معايير العلم تختلف عن معايير الكنيسة الأرثوذكسية.

وعمومًا فإن معيار الطب النفسي هو كالآتي: "كل ما ينحرف عن السلوك البشري العادي يعتبر حالة نفسية مرضية تحتاج إلى العلاج بالطرق النفسية العلمية"، ومع ذلك، فإن الطب يعتبر القديسون الشهداء أيضًا مرضى عقليًا، لأن أسلوب حياتهم لا يشبه أسلوب حياة الشخص العادي بمعايير "نفسية"، حيث إنه يمكن وصف موقف الشهداء في مواجهة الاستشهاد بأنه "غير عقلاني".

وبهذا المنطق، في حالة المسكون، يكتشف الطب النفسي المرض العقلي، دون أن يتمكن من اكتشاف السبب، لأن وجود الشيطان غير مثبت علميًا، كونه خارج مجال العالم المادي. لذلك لا يمكن للطب النفسي التمييز بين المرضى عقليًا والاستحواذ الشيطاني.

وفي حالة علاج الممسوسين من خلال الطبيب النفسي يصبح الطب النفسي طريقة ضارة لأنه يحاول "علاج" الممسوسين معتبرًا إياهم مرضى عقليًا وفي الواقع هم ليسوا كذلك.

على العكس من ذلك، فإن التقليد الأرثوذكسي لديه صورة أكثر اكتمالًا، لأنه يحتوي على معايير كافية للتمييز بين المرضى عقليًا والممسوسين. وبالتالي يمكن إحالة حالات المرضى النفسيين إلى الطبيب النفسي وحالات الممسوسين إلى الكنيسة، لتطبيق وسائل العلاج الخاصة بالحالة.

طبعًا لا تنكر الكنيسة الأرثوذكسية قيمة وفائدة الطب النفسي. ومع ذلك، فهي لا تعتبره مسئولًا عن جميع الحالات التي تظهر كحالات مرض عقلي أو نفسي، على عكس الطب الذي يرفض رفضًا قاطعًا حالات الاستحواذ الشيطانى للإنسان.

وفقًا للمسيحية، يعود الاستحواذ الشيطانى إلى سيطرة روح شريرة غير مرئية على الشخص المصاب، وفقًا للكتاب المقدس، تعرض الأرواح الشريرة المسكونين لتعذيب مرير: "استَقبَلهُ مِنَ القُبورِ إنسانٌ بهِ روحٌ نَجِسٌ، كانَ مَسكَنُهُ في القُبورِ، ولَمْ يَقدِرْ أحَدٌ أنْ يَربِطَهُ ولا بسَلاسِلَ، لأنَّهُ قد رُبِطَ كثيرًا بقُيودٍ وسَلاسِلَ فقَطَّعَ السَّلاسِلَ وكسَّرَ القُيودَ، فلم يَقدِرْ أحَدٌ أنْ يُذَلِّلهُ. وكانَ دائمًا ليلًا ونهارًا في الجِبالِ وفي القُبورِ، يَصيحُ ويُجَرِّحُ نَفسَهُ بالحِجارَةِ" (إِنجيلُ مَرقُسَ 5: 2-5)!

الموقف يصبح أكثر صعوبة وعذاب عندما تستحوذ جماعة من الشياطين على شخص واحد في نفس الوقت ولكن عندما يتم طرد الشياطين، فإن هذا الشخص يعود إلى رشده: "وبَعضُ النِّساءِ كُنَّ قد شُفينَ مِنْ أرواحٍ شِرّيرَةٍ وأمراضٍ: مَريَمُ الّتي تُدعَى المَجدَليَّةَ الّتي خرجَ مِنها سبعَةُ شَياطينَ" (إِنجيلُ لوقا 8: 2).

كثير من الناس، بسبب الجهل أو الخوف، يرفضون التصديق بوجود الشيطان ونفوذه على عكس ما ورد في الكتاب المقدس.. يكتب الآباء القديسين أن أعظم انتصار للشيطان على الإنسان هو إقناعه بعدم وجوده، لأنه بهذه الطريقة يظل الإنسان معرضًا لخداع الشرير.

من الواضح أن الشيطان هو حقيقة لا يمكن إنكارها ومع ذلك، إذا كان الإنسان يعيش حياة مليئة بالنعمة الإلهية، وإذا شعر في نفسه بحضور المسيح "الذي داس الشيطان" وإذا شعر أن خطواته موجهة وفقًا لوصايا الرب، فلا داعي للخوف من الشيطان.

نعلم أن الخطيئة هي التي تفتح الأبواب لدخول الشيطان إلى نفس الإنسان... إن الامتناع عن المعاصي الجسدية الكبيرة والابتعاد قدر المستطاع عن الصغرى منها شرط ضروري للوقاية من الشرير، حسب ما يعلمنا الكتاب المقدس.

لهذا أكد الرب أن جنس الشياطين لا يُطرد إلا بالصلاة والصوم، ويجب أيضًا على الممسوس أن يقاتل من أجل تحرير نفسه من الروح الشريرة، وكذلك من قبل أقاربه، كما يجب تقوية الجهاد ضد الشرير باللجوء إلى نعمة وشفاعات والدة الإله والقديسين، وخاصة القديسين الذين لديهم موهبة إخراج الشياطين.

ومع ذلك، فإن التحرر الكامل من "الشيطان" سيكون في الحياة المستقبلية وسيحدث في ملكوت الله في المستقبل.. فنحن الآن نعيش "البداية" و"المشاركة" في الحياة المستقبلية وملكوت السموات.

فقالَ لهُمْ: "هذا الجِنسُ لا يُمكِنُ أنْ يَخرُجَ بشَيءٍ إلّا بالصَّلاةِ والصَّوْم" (إِنجيلُ مَرقُسَ 9 :29).