رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الزلازل.. وأباطيل القيامة

لم يكن الزلزال الذي جرى في تركيا وسوريا حدثًا عاديًا يمكن أن يمر بلا فزع ولا تعليق؛ كان كبيرًا ومهولًا بكل معنى الكلمة، خلف وراءه خرابًا وموتًا وجراحًا وخسارات مادية ومعنوية فادحة (البلدان يقعان على نفس خطوط الصدع الجيولوجي، ولذلك اعتبر المعلقون زلزالهما واحدًا ولم يقولوا زلزالي تركيا وسوريا، وقد ضرب الزلزال مناطق جنوبي تركيا وشمال غرب سوريا).
أحيا الزلزال كلامًا عجيبًا عن قرب قيام القيامة، كلام لا ينقطع في الحقيقة، لكنه يخفت في الأوضاع الطبيبعية، وينشط نشاطًا مذهلًا مع أحداث كارثية كحدث الزلزال المقصود الرهيب المدمر، قال المبالغون إن القيامة على الأبواب، وإن الزلزال الفظيع ما هو إلا بداية لسلسلة متتابعة من الزلازل ستضرب العالم دون رحمة، وتختص بأمة الإسلام الغافلة اللاهية؛ فلعلها تفيق من سكرتها قبل نصب الموازين الإلهية والخضوع للحساب! 
هكذا قالوا، بتوسع مهين، لم يستندوا على آية قرنية ظاهرة التأويل ولا حديث نبوي صحيح، ولا علم ولا عقل طبعا، فهم خصوم العلم العقل في الصميم، كتبوا المقالات العدمية سريعًا، وصنعوا الفيديوهات التي تنذر بالنهاية في دقائق معدودة، وخرجوا في البرامج الفضائية بالخرافات والسموم والخزعبلات.. طغى مشهدهم العبثي على مشهد الزلزال نفسه، وأمعنوا في الأباطيل حتى تصور الناس، لا سيما العوام، أنهم بين يدي الساعة فعلا؛ فمضوا يفتشون في العلامات الصغرى والكبرى عن الزلازل وخبرها، بل عدوا الزلازل واحدة من العلامات الكبرى القطعية على الفناء الأرضي الذي يسبق صيحة النشور، لم يعيدوا حقا إلى أهله مع ذلك، ولم ينصروا مظلومًا، ولم يصلحوا أمورهم ولا أمور الناس، ولم يغرسوا الفسيلة التي أوصى النبي بغرسها في قلب القيامة، لكنهم انشغلوا بالكلام الأجوف وحسب، غفلوا عن الأهم في الوقت التي كان يجب فيه ألا يغفلوا عن مثله بتة، وكان ذلك امتحانا جديدا فشلوا فيه بامتياز، كما اعتادوا على الفشل في كل الامتحانات للأسف! 
الذين يلعبون لعبة الأباطيل، أباطيل قرب القيامة وما إليها، يعلمون أن الناس لن يتعظوا، ولن يغادروا كسلهم ولا كذبهم، ولا شيئًا واحدًا من جملة أخلاقهم الرديئة، بهذه الطريقة، لكنهم يلعبون لعبتهم لترويج ما يؤمنون به، مستغلين فساد المخاليق نفسه فكم يساعدهم على إنفاذ خططهم، والغاية هي إعلاء كلمتهم أيا كانت، والتحكم في الإنسانية بتخويفها، وهي الانتشار والكسب نتيجة لذلك بالطبع؛ فعلى الحقيقة لا يهمهم عودة كائن من كان إلى ربه ولا ذرة واحدة بهذا الاتجاه الحميم، وإنما أن يسيطروا على الأمة التي يريدون حكمها غصبا، ثم الانطلاق منها إلى العالم بأسره محاولين السيطرة نفسها..
سوف تقوم القيامة يوم يشاء الله أن تقوم، وقد اختص تعالى نفسه بعلم وقتها، ولن تقوم أبدًا لأن صنفًا مريبًا من البشر يستعجل قيامها!