رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوشم فى الصين.. مساحة حرية للنساء

الصين
الصين

لأكثر من عامين، كانت فنانة الوشم الصينية سونغ جياين توفّر لزبوناتها فرصة للتعبير عن أنفسهنّ، وتعكس مئات الشهادات التي باتت منشورة على الإنترنت ذكرياتهنّ وآمالهنّ ومخاوفهنّ أيضًا.
وتتنوع الرسوم التي تنقشها الفنانة على أجساد من يقصدنها، تمامًا كالدوافع التي تحفزهنّ على طلب وشم، فيمكن أن تمثّل غروب الشمس أو حيوانًا  أليفًا  محبوبًا، أو سوى ذلك.
وباتت رسوم الوشم مرادفًا أيضًا  لحرية النساء الصينيات في وقت تتقلص أمامهنّ مساحات التعبير الأخرى.
وتقول سونغ جياين (39 عامًا) «عندما تسعى الواحدة إلى الحصول على وشم، وعندما تختار صورة مختلفة لتضعها على جسمها، فلسان حالها يقول: أنا أتحكم في جسدي».
ففي الصين، كان الحزب الشيوعي الحاكم يحاول دائمًا أخذ القرار عن النساء في شئون تتعلق بأجسادهن، ومن أبرز وجوه ذلك فرض سياسة الطفل الواحد التي صرف النظر عنها لاحقًا.
وفي المجتمع كما في وسائل الإعلام الحكومية، لا تزال القيم المحافظة تشكّل القاعدة، إذ تُطلق الأحكام على النساء بناءً على مظهرهن ودورهن كأمهات بصورة رئيسية.
أطلقت سونغ جياين التي تصف نفسها بأنها نسوية مشروعها لجمع الشهادات بهدف توفير وسيلة تعبير للنساء.
وتقول «أريد أن أوفّر لهنّ منصة أكبر، كي يتمكن المزيد من الناس من رؤية ما يرغبن في التعبير عنه».
وتبدأ كل مقاطع الفيديو هذه التي جمعتها تحت عنوان «1000 فتاة» ونشرت على شبكة اجتماعية صينية واسعة الشعبية، بالسؤال نفسه: «ما هو برجك الفلكي؟».
لكنّ المحادثة لا تلبث أن تصبح أكثر عمقًا  وتكشف فيها النساء اللواتي تجرى معهنّ المقابلات عن أفكارهن الخاصة في شأن الصحة النفسية أو مسائل النوع الاجتماعي أو قلقهن من الشيخوخة أو وفاة أحبائهن.
وفي مشغل فنانة الوشم المليء بالكتب، تعرب لياو جينغيي (27 عامًا) عن سعادتها بالمشاركة في المشروع، ولكن أيضًا بالحصول على وشمها الأول.
وتبدو لياو حابسةً أنفاسها وهي مستلقية، بينما تظهر تباعًا على ربلة ساقها ملامح أمواج متلاطمة وصخرة ترسمها الإبرة على جلدها.
وخطرت لها هذه الفكرة بعد محادثة مع أستاذ كانت معجبةً به في الجامعة، قال لها خلالها إنها يجب أن تحاول أن تكون «صخرة لم تتآكل حوافها».
ومع أن الوشم بات شائعًا في أوساط الأحياء الغنية في المدن الصينية، يبقى الإقدام على هذه الخطوة أمر غير سهل بالنسبة للمرأة.
فالفئات المحافظة في المجتمع لا تزال تنظر بازدراء إلى المرأة الموشومة أو ذات المظهر غير التقليدي.
وتجلّى مدى قوة ضغط المجتمع الصيني على المرأة في انتحار شابة بعد تعرضها لمضايقات عبر الإنترنت لنشرها صورة لها بشعر مصبوغ باللون الوردي.
وتلاحظ الكاتبة ليجيا زانغ في حديث لوكالة فرانس برس أن المرأة تتعرض للهجوم والتشكيك في أخلاقها عندما لا تمتثل للقواعد السائدة، وترى في ذلك «أسوأ أشكال التمييز على أساس الجنس»، وهو «نابع من عدم المساواة بين الجنسين».
وتروي بعض زبائن سونغ جياين إن وشمهنّ أتاح لهنّ تحدي الأعراف، سواء في المنزل أو في مكان العمل.
وتقول امرأة ثلاثينية اختارت وشمًا على شكل قوس قزح إنها تخلت عن الوشم عندما كانت أصغر سنًا، لأن حبيبها هددها بتركها.
وتخبر طبيبة طلبت رسمًا مستوحى من زهور أجدادها الأرجوانية أن مرضى كثرًا  في المستشفى الذي تعمل فيه يعتبرون أن الطبيب الموشوم «لا يبدو على قدر كافٍ من المسئولية».
وتتذكر فنانة الوشم أنها تأثرت لما قالته لها امرأة أربعينية: «لقد كنت أمًا وزوجة، أما الآن فهل يمكنني أن أكون نفسي وأحمل الوشم الذي أريده؟».
وتحمل سونغ جياين، بالقرب من مرفقها، وشمًا ذا دلالة خاصة، هو عبارة عن سلسلة مكسورة، تحيةً لشياوهامي، وهي امرأة عُثر عليها العام الفائت في الريف الصيني وحول رقبتها سلسلة وقفل.
وقد أثار العثور عليها غضبًا وتأثرًا  واسعين في الصين، إذ يُعتقد أنها ضحية للاتجار بالبشر.
وتقول فنانة الوشم «أعتقد أن أي امرأة ترى هذا، وتعرف خصوصًا أنها أُجبرت على إنجاب ثمانية أطفال، ستشعر بالحزن».
وطلبت الكثيرات من زبائن الفنانة التصميم نفسه على أجسادهنّ.
وتختم سونغ جياين قائلة: «أعتقد أننا نناضل منذ مدة طويلة. المرأة تكافح من أجل حقوقها منذ زمن طويل».