رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تسوية ممكنة للأزمة الأوكرانية

الصراع سيصل، إذن، إلى موائد التفاوض، عاجلًا أو آجلًا، كما انتهينا، أمس، وستتحول المواجهات المسلحة والاقتصادية، إلى اشتباكات سياسية، ودبلوماسية، تنتهى بتحقيق مصالح الأطراف الرئيسية، أو الحقيقية، فى الأزمة: روسيا والصين و... الولايات المتحدة. ولأنها لا تريد، على الأرجح، إضاعة مزيد من الوقت، سعت الصين، المحايدة رسميًا، إلى لعب دور الوسيط، ونشرت خارجيتها، صباح أمس الجمعة، على موقعها الإلكترونى، وثيقة من ١٢ نقطة، طرحت فيها رؤيتها لكيفية التوصل إلى حل سياسى.

قبل ساعات من نشر الوثيقة الصينية، ومن حلول الذكرى الأولى لبدء الأزمة، تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسى، مساء الخميس، اتصالًا تليفونيًا من الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، وبعد أن أطلعه الأخير على آخر المستجدات والتطورات على الصعيدين الميدانى والإنسانى فى أوكرانيا، أكد الرئيس السيسى دعم مصر جميع المساعى الهادفة إلى تهدئة الأوضاع، ودفع جهود التوصل إلى حل سلمى للنزاع، على نحو يحقن الدماء ويمهد الطريق نحو السلام، مشيرًا إلى استعداد مصر مواصلة بذل الجهود اللازمة فى هذا الصدد، وهو ما ثمّنه الرئيس الأوكرانى، الذى أشاد بدور مصر المؤثر على الصعيدين الإقليمى والدولى.

منذ بداية الأزمة، تقف مصر على مسافة واحدة من كل أطرافها، الرئيسية أو الحقيقية، الفاعلة والمفعول بها. مسافة، حددت طولها، وأطرها، السياسة الخارجية الأوسع، التى تبنتها مصر منذ ٢٠١٤، أو دولة ٣٠ يونيو: الندية، الاحترام المتبادل، عدم التدخل فى شئون الدول الداخلية، والحفاظ على الدولة الوطنية واحترام سيادتها بوصفها حجر الأساس فى بناء النظامين الإقليمى والدولى. ومن تلك المسافة، أو وفق هذه الأطر، دعت فى كل اتصالاتها المتعلقة بالأزمة الأوكرانية إلى إجراء مفاوضات تؤتى بنتائج تنهى الصراع وتلبى مصالح كل الأطراف. وهذا، فى رأينا، أو غالبًا، هو هدف الصين، التى تقوم علاقاتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية مع روسيا، على المصلحة المتبادلة، والرغبة المشتركة فى تحقيق التوازن مع الولايات المتحدة. 

هكذا، جاءت الوثيقة، التى حملت عنوان «موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية»، لتدعو كل الأطراف إلى الالتزام بالنقاط التالية: احترام سيادة كل الدول.. التخلى عن عقلية الحرب الباردة.. وقف الأعمال العدائية.. استئناف محادثات السلام.. إيجاد حل للأزمة الإنسانية.. حماية المدنيين وتبادل أسرى الحرب.. الحفاظ على سلامة المنشآت النووية.. تقليص الأخطار الاستراتيجية.. تسهيل تصدير الحبوب.. وقف العقوبات الأحادية الجانب.. الحفاظ على استقرار سلاسل الصناعة والتوريد.. ودعم مرحلة إعادة الإعمار. 

اللافت، أن الوثيقة جرى نشرها بعد ٤٨ ساعة من زيارة أرفع مسئول دبلوماسى صينى، إلى موسكو، ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرجى لافروف. وكنا قد توقفنا، أمس، عند تصريحات نقلتها وكالة أنباء «تاس» الروسية، قال فيها وانج يى، رئيس لجنة الشئون الخارجية بالحزب الشيوعى الصينى، إن بلاده لن تتخلى عن موقفها «الموضوعى والحيادى»، أو عن لعب «دور بناء فى التسوية السياسية للأزمة»، وأكد أن العلاقات الصينية الروسية ليست موجهة ضد أى دولة أخرى، ولن تخضع لضغوط أطراف ثالثة.

ضغوط الأطراف الثالثة، أو الضغوط الغربية، المتزايدة على الصين، بسبب موقفها «الموضوعى والحيادى»، كانت قد وصلت حد اتهامها بأنها تعتزم إمداد روسيا بالأسلحة، وهو الاتهام الذى نفته بكين بشكل قاطع. وعليه، استوقفنا إعراب الرئيس الأوكرانى، قبل ساعات من نشر الوثيقة، أو الرؤية، الصينية، عن رغبته فى مناقشتها، وتأكيده أن «مشاركة هذا الشريك الوثيق لموسكو نقطة إيجابية جدًا»، وكذا، تأكيده أنه يريد «عقد اجتماع مع الصين»، لأن «هذا فى مصلحة أوكرانيا اليوم».

.. وتبقى الإشارة إلى أن الاتصال التليفونى، الذى تلقاه الرئيس السيسى من نظيره الأوكرانى، تطرق إلى قضية الأمن الغذائى، فى ضوء معاناة العديد من الشعوب، خاصة الإفريقية، من أزمة الغذاء. وبعد مناقشة الجهود الجارية، لتمديد اتفاق تصدير الحبوب، أكد الرئيس السيسى الأهمية القصوى لاستقرار أسواق الغذاء العالمية، وهو ما اتفق معه فيه الرئيس الأوكرانى، عارضًا جهود بلاده لضمان الأمن الغذائى العالمى.