رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أطفالنا.. وأجدادهم الفراعنة

لا يراد لأطفالنا أن يرتبطوا بأجدادهم الفراعنة.. كأن الأمر كذلك فعلًا؛ ففي المدارس لا شيء يذكِّر بهؤلاء الأجداد العظماء، اللهم إلا صور ميتة في أركان قصية، غالبًا ما ينسى عمال النظافة أن ينفضوها ليزيلوا عنها غبار السنين! 
يرتبط الأطفال في المدارس بحضاراتهم الدينية، الإسلامية والمسيحية، من خلال حصص الدين، وأيضًا من خلال القصص التي يرويها لهم الأساتذة من بطون المواد الدراسية أو من أخيلتهم في أوقات الفراغ، ولكنهم يدخلون المدارس ويخرجون منها وما في جِعابهم شيئًا من حضارتهم الفرعونية الراسخة على أرض الوطن، والتي لا تزال زاهية الألوان كأنها وليدة الأمس القريب.
صحيح أن بعض الرحلات المدرسية تقصد الأهرامات أو المعابد أو المتاحف، إلا أنها قليلة، كما أنها تأخذ بعدًا ترفيهيًا لا تعريفيًا؛ وعلى هذا لا تحقق علاقة قوية بين الصغار وبين ماضي أجدادهم الخالد، ولا أحد من المسئولين التعليميين يفكر في اقتراح الملبس الفرعوني، أو شيء منه، كزي مدرسي يلتزم به التلاميذ بدلًا من الأزياء العادية التي يلبسون مثلها باستمرار في مشاويرهم العادية! 
يسألني سائل مرتاب: لماذا الحضارة الفرعونية بالذات؟ 
وأجيب، ببساطة، لأنها الأصل الذي بغيره تضل الفروع، والحضارة الفرعونية هي أصل حضارات العالم أجمع، وليست أصلنا المصري وحسب، وكفانا تسطيحًا لقيمتها، نعم كفانا تغنيًا بها مع افتقادنا للعلم النافع بأسرارها وعبقريتها.
الواحد يشعر بحسرة بالغة حين يجد في عين السائح الأجنبي إكبارًا هائلًا لتلك الحضارة واحترامًا عظيمًا لها، ولا يجد مثل ذلك في أعين أبناء البلد، ليس جحودًا منهم، ولكن جهلًا بحضارتهم التي وعتها الدنيا بأسرها ولم يعوها، وهو جهل قاتل مؤسف، أظن آن أوان الخلاص منه الآن، بل منذ أزمنة بعيدة، ولكننا نيام سرمديون؛ ولذا نحن في آخر الصفوف وكان الطبيعي أن نكون أولها!
هناك أمم تريد أن تنزع منا أحقيتنا بتلك الحضارة، أمم تعادينا وتستغل غفلتنا عن ما يميزنا في الأمم، تحاول ولا تيأس، وأخشى ما أخشاه أن نمعن في الاغتراب عن ما بين أيدينا وتمعن هي في الاقتراب حتى يتوهم أناس أنها أدنى إلى ما نملكه من دنونا التاريخي الحميم! 
كان الواجب، منذ عهود فاتت، أن تهتم وزارة التربية والتعليم، بالتنسيق مع وزارة الثقافة ووزارة السياحة والآثار، بتدريس مادة فرعونية على تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي، ولتكن الهيروغليفية مثلًا، وإن كنت أحبذ أن تكون مادة عامة، تشرح تدرج الأُسَر الفرعونية شرحًا وافيًا مبسطًا، بما يتخلل ذلك من الأحداث والوقائع، فيجذب الدارسين مبكرًا، ويشد عودهم، ويضع مصريتهم الخالصة في قلوبهم بحيث لا تغادر القلوب.
أنا أرى فرعونيتنا رفيعة المقام مظلومة تمامًا بين جملة ما نتهافت عليه للدرس، وأراها انتماء عميقًا عزيزًا، وحصنًا منيعًا من كل تمزق بغيض محتمل!