رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناهد راحيل: «ثقافة المقاومة في فكر إدوارد سعيد» يُقارب اشتغالاته الفكريّة

الناقدة ناهد راحيل
الناقدة ناهد راحيل

عن دار "العربي للنشر والتوزيع"، صدر حديثًا كتاب "ثقافة المقاومة في فكر إدوارد سعيد"، لناهد راحيل، وهو الكتاب الحاصل على جائزة إدوارد سعيد في الفكر التنويري ونقد الفكر الاستشراقي عام 2021.

يسعى الكتاب لاستقراء اشتغالات إدوارد سعيد حول المثقف وعلاقته بالسلطة، فالمفكر الراحل أجاب عبر مقارباته الفكرية عن السؤال بحديثه عن تمثلات المثقف وصوره، واهتم بالقضايا الإنسانية، وبتحديد دور المثقف في قدرته على مواجهة أشكال الهيمنة من خلال طرح التساؤلات عمّا يمكن أن يواجه المثقف ويشكل عقبة أمام أداء مهامه الخاصة بمراجعة السلطة ومقاومة هيمنتها وتنفيد مقولاتها.

مقاربة سؤال الثقافة

توضح الناقدة ناهد راحيل أن إدوارد سعيد يقارب سؤال الثقافة في كتابه "العالم والنص والناقد" من خلال محاولة الإجابة على تساؤله الخاص حول معنى أن يمتلك المرء وعيا نقديا؛ فهو يرى أن الوعي النقدي يقف في منطقة وسط بين قوتين، الأولى هي الثقافة التي ارتبط بها النقاد بالقرابة (بالولادة والانتماء القومي والمهنة)، والثانية هي الطريقة أو المنظومة التي يكتسها النقاد من خلال التقرب (بالقناعة الاجتماعية والسياسية وبالظروف الاقتصادية والتاريخية وبالجهد الشخصي).

وتتابع راحيل: بيّن سعيد أنه لكي يمتلك الفرد وعيا نقديا يجب عليه مقاومة تلك القوتين وأن ينعزل عنهما، فـالوعي الفردي المنعزل المعارض للبيئة المحيطة هو صوت معزول وخارج المكان الصحيح لكنه حيز كبير جدا من المكان وواقف بمنتهى الوعي ضد العقيدة السائدة لمناصرة مجموعة من القيم المعروفة جهارا بأنها عمومية أو رحيمة ومجموعة تذكي مقاومة محلية مهمة ضد هيمنة ثقافة واحدة. 

مقاومة أشكال الهيمنة

تبين راحيل أن الكتاب يتناول الاستراتيجيات التي تبناها إدوارد سعيد في مقاومة أشكال الهيمنة الثقافية الغربية، خاصة بعدما تخلت الثقافة عن ارتباطها بالنخبة وغدت مساحة للتثاقف والتداخل. 

وتضيف: يؤسس الكتاب لأفكاره عبر قسمين رئيسين؛ الأول الذي حمل عنوان "الثقافة ودور المثقف" يتناول مقاربة سعيد لسؤال الثقافة ودحضه لشمولية الثقافة وخطابها النخبوي، وبيان دور المثقف المقاوم والذي تحدد في مقاومة أشكال الهيمنة الثقافية، في حين اختصّ الثاني، الذي حمل عنوان "استراتيجيات المقاومة"، بعرض أساليب تقويض الهيمنة الثقافية للغرب من خلال نقد الخطاب الاستشراقي وتفكيك الرواية الإمبراطورية التي لازمت المشروع الاستعماري عبر المقاومة بالسرد المضاد.

وتستطرد: في دعوة سعيد للمثقف لتبنّي مواقف ملتزمة، نجده يشير إلى ضرورة تجاوز فكرة الالتزام السياسي وتبنّي مفهوم الالتزام الإنساني؛ بأن يكون المثقف منشغلا بقضايا الإنسان ورافضا كل أشكال الهيمنة والسيطرة. وهنا نشير إلى النموذج الثالث من المثقفين الذين ذكرهم سعيد في معرض حديثه عن صور المثقف –ولو بشكل لمحي – هو مفهوم المثقف الملتزم الذي أسس له جان بول سارتر في كتابه "دفاع عن المثقفين".

دفاع عن المثقف المستقل

توضح راحيل أن إدوارد سعيد دافع عن المثقف اللامنتمي أو المثقف المستقل البعيد عن السلطة، لأنه كان يرى أن الانتماء إلى ثقافة أو مؤسسة أو منظومة قد يؤثر سلبا على المنتج المعرفي وعلى دور المثقف في مساءلة التراث الثقافي، كما أنه حذّر من حدود التخصص الذي يقود صاحبه إلى الانحياز والابتعاد عن النزاهة الفكرية والنقدية. 

وتضيف: لذلك يدافع سعيد عن "المثقف الهاوي" مقابل المثقف الاحترافي، وتتحدد دلالة الهواية في الاعتراف بالمثقف بوصفه فردا مفكرا منشغلا بقضايا العوام من الناس، ثم الانخراط في الحياة والوعي برهاناتها وصعوباتها وتحدياتها، من خلال المساهمة النقدية والقرائية التي تتصل بالقضايا الإنسانية بعيدا عن سلطة التخصص والحرفية المهنية. تشير نهاية الدراسة إلى حديث سعيد عن التحدي الأكبر الذي يمكن أن يحد من دور المثقف، والذي سماه بـ "التخلي عن الثبات وعدم الالتزام تجاه القضايا الإنسانية المصيرية"، فليس ثمة ما هو "أجدر بالاستهجان ممّا يكتسبه المثقف من عادات فكرية تنزع نحو ما يسمّى التفادي، أي النكوص أو التخلي عن الثبات في موقفه القائم على المبادئ". 

يذكر أن ناهد راحيل سبق وفازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي، وجائزة محمد عفيفي مطر، وصدر لها عديد من الكتب منها: "عتبات النص في شعر محمد عيفي مطر"، و"تفكيك النص"، فضلًا عن مساهماتها النقدية في العديد من الدوريات والصحف المختلفة.