رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا أخفت إدارة «الأتلييه» عن لجنة «التضامن»؟

قبل أسابيع قليلة كتبت هنا عن تركيب مجلس إدارة «أتلييه القاهرة» لعدد من كاميرات المراقبة فى صالون وحديقة المقر الذى لا يرتاده غير أعضاء جمعية أدباء وفنانى القاهرة وضيوفهم من العاملين بالصحافة والفنون والآداب، أو الذين لم يتقدموا بعد للحصول على عضوية الجمعية، وأوضحت أن شراء الكاميرات فى الأصل كان بهدف التركيب فى صالات العرض لا أماكن جلوس الرواد.. لمراقبة اللوحات وتأمينها، لا لمراقبة الأعضاء وهم يشربون الشاى ويتبادلون النكات، وحذرت من اتجاه مجلس الإدارة لتحويل المكان إلى مقهى بلدى مفتوح لكل عابر سبيل يمكنه أن يدفع تذكرة الدخول البسيطة، خصوصًا مع ما وصلنى من أنباء حول الآلية التى تم بواسطتها إرساء عقد إيجار «البوفيه» الذى كان يتم من قبل وفق مزايدة معلنة، ومعروفة للجمعية العمومية.

الملفت فى الأمر، هو تلك الحالة من استعراض القوة التى لجأ إليها مجلس الإدارة خلال الأيام الماضية، والتى يبدو أنه لا أصل لها، ولا يوجد ما يدعمها، أو حتى يدلل عليها، خصوصًا أنها ترافقت مع عدد من السلوكيات المترددة والمضطربة، وغير المفهومة، ومنها مثلًا الاتصال بعدد من الأعضاء ومطالبتهم بسحب شكاواهم ضد مجلس الإدارة، على الرغم من مرور سنوات على تلك الشكاوى، واختفاء أصولها، «شكاوى مش موجودة أصلًا».. ومنها رفض ترشح بعض الأعضاء لعضوية مجلس الإدارة دون أسباب، ومنهم عضو منتخب فى المجلس الحالى، وذلك قبل أيام من صدور قرار وزارة التضامن بتأجيل الانتخابات التى كان مقررًا إجراؤها فى فبراير المقبل.. ومنها أن يتم تعليق لافتة فى صدارة الصالون تنص على عدم السماح بدخول المشروبات من خارج المكان، دون أى ظل من الحقيقة، أو حتى توقيع.. مجرد إعلان لم يوقع عليه أحد، ولم يستجب له أحد، ولا يجرؤ على تنفيذ ما ورد به أحد، ومنها ما يتردد فى أروقة المكان عن مساومة الأعضاء من الكتاب والفنانين الراغبين فى الترشح لجوائز الدولة.

على أن أهم ما فى الأمر، ما وصلنى مؤخرًا بشأن زيارة لجنة من وزارة التضامن الاجتماعى للمقر منذ عدة أيام، وقيام أعضائها بمراجعة بعض ملفات الجمعية، لكنها فيما يبدو بحاجة إلى تذكير بكثير من الأمور التى لم تتطرق إليها، وتم إخفاؤها، بقصد أو دون قصد، ولم يطلب السادة أعضاء اللجنة الاطلاع عليها، وفى الصدارة منها ما يتعلق بالأمور المالية، ومنها عدم وجود محاسب قانونى للجمعية منذ سنوات طويلة، وبالتالى عدم وجود قوائم مالية للعرض على الجهات المختصة، وفى المقدمة منها الجمعية العمومية للأتلييه.. لماذا تم استبعاد المحاسب المالى السابق؟ ولماذا لم تتم الاستعانة ببديل له؟ وكيف إذن تتم مراجعة الحسابات واعتمادها، خصوصًا مع عدم التحرك لفتح الحساب المصرفى المعتمد للمكان منذ إغلاقه بسبب مخالفات مالية سابقة، وهو ما يجعل الأمور المالية دون أية رقابة من أى نوع؟

على أن أوضح تلك المخالفات المالية ما يتعلق بالإجراءات التى تم اتباعها فى تأجير «البوفيه»، والتى يبدو أنها لم تتبع أى قواعد، أو ترتيبات، أو أصول، ويبدو أن وراءها سيناريوهات تستحق التأمل والبحث والتدقيق، فمنذ البداية لم يتم الإعلان عن عقد التأجير أو قيمته.. حتى محضر لجنة ترسية المزايدة التى يشك كثيرون فى وجودها من الأصل لم يعرف به أحد، ولم يتم عرضه على أحد، تلا ذلك قيام مستأجر «البوفيه» بتنفيذ مجموعة من «الديكورات» المكلفة على نفقته الخاصة، التى لا تتناسب تقديراتها بأى حال من الأحوال مع العائد المتوقع للمكان «محدود الرواد»، ثم ترافق الانتهاء من الديكورات الجديدة مع فتح البوابة الجانبية للمكان طوال النهار، وبجوارها طاولة لبيع المشروبات الساخنة للعابرين فى الشارع (!!) وطرح تصورات للسماح بدخول غير الأعضاء، دون مرافق من الأعضاء، طالما تم دفع تذكرة الدخول، وهو الأمر الذى حالت الإجراءات القانونية ولائحة المكان دون تنفيذه، فكان اللجوء إلى زيادة أسعار المشروبات هو البديل لتعويض خسائر المستأجر الذى دفع ما دفعه على أمل المساحة الواسعة، والمكان المميز فى وسط القاهرة، وهو الإجراء الذى تم اتخاذه دون رجوع لأحد، ولا إخطار لأحد.. لا أعضاء، ولا جمعية عمومية، ولا حتى ذلك البسيط من معتادى التردد اليومى على المكان (!!) وأخيرًا ذلك الإعلان المضحك الذى تم تعليقه فى صدارة لوحة الإعلانات بشأن منع إدخال المشروبات من خارج البوفيه، بعد فشل فتح الأبواب لدخول غير الأعضاء، وما صحبه من تسليم مفاتيح المقر لعمال «البوفيه» كبديل عن موظفى المقر، وسكرتارية الجمعية، فهل يتحمل عمال «البوفيه» مسئولية تأمين لوحات المعارض المقامة بالمكان؟ وكيف يأتمنهم مجلس الإدارة على مقتنيات «الأتلييه» من لوحات وكتب وتماثيل أهداها كبار الحركة الثقافية فى مصر للمكان على مدى تاريخه؟! من أين جاءتهم تلك الثقة؟ هل من سابق معرفة؟

الحقيقة أن ما يجرى فى جمعية أدباء وفنانى القاهرة هو عبث كامل، واستهتار غير مسبوق، يصل إلى حد الجهل غير المفهوم بقيمة المكان الذى شهد جلسات وحوارات ومعارض واحتفالات كبار الثقافة المصرية، من الدكتور طه حسين، إلى راغب عياد، ويحيى حقى، ونجيب محفوظ، وفؤاد حداد، وصلاح جاهين، ويوسف إدريس وجاذبية سرى، وغيرهم عشرات الرموز من الكتاب والفنانين، الذين استطاعوا أن يجعلوا من المكان واحة يقصدها محبو الآداب والفنون وسط زحام القاهرة الكبرى، إلى أن جاء المجلس الحالى الذى يبدو أنه قد قرر تحويل المقر إلى «مقهى بلدى»، جاذب لكل عابر، طارد لكل الأدباء والفنانين.. ربما كانت النية، والله أعلم بالنوايا، هى تعظيم موارد المكان الذى يفتقر إلى الدعم، لكن حسن النوايا وحده لا يكفى، فعلى كل عابر بالمكان أن يعرف قدر من مروا به، وجلسوا فى أركانه، وتجولوا فيه، فالمقعد الذى جلس عليه راغب عياد وطه حسين، والقاعة التى شهدت ضحكات نجيب محفوظ، ومشادات يوسف إدريس، لا يمكن اعتبارها مجرد مقهى يصلح لقضاء الوقت، أو البحث عن أرباح.