رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد عبدالمعطى حجازى.. وقفات قاطعة وفواصل براح «3-3»

من حسن طالع الإنسان أن يكون طول عمره مصفاة تنقى وتركز صفاته النبيلة والطيبة، فيزداد أناقة وبهاء وتُذهب ما على السطح من قشور الزهو وثورة الغضب.

والشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى واحد من هؤلاء المحظوظين، وقد يكون مرد ذلك إلى استقراره النفسى وتحققه، وهو صاحب الصيحة الشهيرة «مدينة بلا قلب»، وقد تحولت المدينة إلى أم رءوم منحته فوق ما يتمنى، بعد أن وجد الأصدقاء والحب.

وجد حجازى الصحبة والأصدقاء بين جنبات مؤسسة روزاليوسف العريقة، فعمل فى مجلتى روزاليوسف وصباح الخير حتى وصل لمنصب مدير تحرير صباح الخير، محاطًا بنخبة من أعلام ذلك الوقت وكل وقت، أحمد بهاء الدين، حسن فؤاد، صلاح جاهين، وصلاح عبدالصبور الذى اعترف حجازى بأريحية وتقدير بأنه سبقه فى مضمار الشعر الحر، وأن شعر عبدالصبور فاجأه، لكنه أحب أكثر وتأثر بقصيدة عبدالرحمن الشرقاوى: «رسالة من أب مصرى إلى الرئيس ترومان».. فقد اختار عبدالصبور أن تكون لغته الشعرية هى لغة الحياة اليومية، لغة العادية للبسطاء والعمال والفلاحين.. فى ديوانه الأول صدم الكثيرون بمقولته «شربتُ شايًا فى الطريق ورتقتُ نعلى». اختار أحمد عبدالمعطى حجازى طريق الشعر الحر، لكن مع الاحتفاظ بجزالة اللغة، فلكل شاعر لغته الخاصة كما يقول. 

لم تبخل القاهرة على الشاعر الشاب أحمد عبدالمعطى حجازى فأعطته إلى جانب الأصدقاء الحب، فوجد حبيبته «سهير عبدالفتاح» وارتبط بها منذ عام ١٩٦٥ وكونا معًا بيتًا وحياة، وتقول الحبيبة الراحلة فى مقال لها نشرته الأهرام عام ٢٠٢٠ «الحياة مع شاعر ليست سهلة، خاصة مع شاعر كبير، لأن الشاعر ليس ملك نفسه، ومعنى هذا أنه لا يمكن القبض عليه، لأنه يعيش محلقًا بين الأرض والسماء.. يعيش مع القصيدة قبل أن يكتبها، ويعيش معها وهو يكتبها، ويعيش معنا بعد أن ينتهى من الكتابة.. والشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى لا يكتفى بأن يكتب، بل يحلم بأن يتحول شعره إلى واقع حى، ولهذا لا تخلو حياته وحياتى معه من أيام صعبة، لكننا تحملنا الصعوبات ولم نفقد ثقتنا فى أنفسنا». 

وقد كتب حجازى لسهير عدة قصائد فى ديوانه الثالث «لم يبق إلا الاعتراف»، منها: قصيدة رومانتيكية

«وأنا

حبنا.. صار شيئًا تعودته كل يوم

وله كل يوم تقاليده

وله كل يوم طباع وحكم

فى الأصيل أشد إليك الرحال

فى الطريق، عددت شجيراته الناحلات الظلال

وحفظت شواهد من حوله، لا تطوف ببال

واستعدت على طوله، كلمات عتاب، وبوح، ولوم

وتشككت فيما أسير له.. أترانى أعلل نفسى بوهم؟» 

ووصفها فى قصيدة «حبيبتى» فى الديوان نفسه

«أحزانها فى القلب.. أما وجهها

فباسم.. رغم الكلال

كوردة تبتسم فى وجه الندى

ثم تعود للأسى تحت الظلال

يا رب خذ حزنها

وأعطها فوق جمالها، جمال

وأبقها نقية

كما أراها فى الخيال». 

وقد بقى جمال الحبيبة فى عين وروح الشاعر، رغم كل السنوات، بل إنه أجاب والتأثر يخنق صوته عندما سألته عما جذبه فى الشابة سهير «كل ما فيها كان جميلًا، وقد زادته الأيام جمالًا». 

تقول الزوجة الراحلة فى مقالها «كان كل منا يكمل الآخر، فالشعر ليس بعيدًا عن الموسيقى، هو (سميع) المعروفين. وأنا أقرأ الشعر وأتذوقه، شعره وشعر زملائه وأصدقائه المصريين والعرب والأجانب».

ورغم البحث عن أسباب للوئام والتحليل العقلانى لما يجمع بين اثنين، لكن يبقى الحب كما أشار حجازى «هو هبة ونعمة من الله، لا يستطيع أن يفسره أحد». 

أسعدنى الحظ بأن التقيت الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، وأن أستمع إلى بعض من ذكرياته، وأن أجرى معه حوارًا تليفزيونيًا لبرنامج «أطياف»، المذاع على تليفزيون الحياة.. فقد حقق لى هذا اللقاء مقابلة أحد أساطيرى منذ المراهقة، وقد أكسبه اللقاء لطفًا إنسانيًا لم ينل من أسطوريته، بل غلفها بروح شفيفة من الشجن والحنان.