رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد عبدالمعطى حجازى.. وقفات قاطعة وفواصل براح «2-3»

اتفقت مع الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، تليفونيًا على زيارته بمنزله فى شارع الحجاز بمصر الجديدة، ذهبت فى الموعد وصعدت السلالم، حيث يسكن الدور الخامس فى عمارة دون أسانسير، وهو أمر لا شك شاق، يجعل من خروج الأستاذ من شقته أمرًا صعبًا، وتساءلت: لماذا لم يغيّر مسكنه؟ يبدو أنه شخص لا يستسلم بسهولة، ولا تدخل فى دائرة إدراكه المعوقات والحسابات اليومية، قادر على تبسيط الأمور مهما كانت صعوبتها، لا يحمل للأيام همًا، فهو مستغرق فى زمنه الآنى، ولا يفكر كثيرًا فى المستقبل، أو يدبر ما هو آت.

مسافر أبدًا

أعبر أرض الشارع المزحوم لا توقفنى العلامة

أثيرُ حيثما ذهبتُ الحُب، والبغض.. وأكره السآمة..

أدفع رأسى ثمنًا لكلمة أقولها

لضحكة أطلقها

أو ابتسامة 

ولا أرجو السلامة..

استقبلنى الأستاذ بلطف وحنو، فسألنى عن كتاباتى، فقد سمع أننى أكتب القصة والرواية. 

تجسدت فى بشاشة وجهه واستماعه لى أن الأيام قادرة على منح الإنسان خصالًا لم تكن فيه، أو ربما هى قادرة على إزاحة الأقنعة التى نستخدمها من العنف والغضب والشدة كى نحمى أنفسنا من الآخرين، وقد تأكدت هذه الفكرة وأنا أسمعه يتحدث عن الكاتب عباس محمود العقاد بحنو وتقدير، بما لا يتناسب مع صورة الشاعر الغاضب الذى يخوض معارك شعرية وفكرية جعلته يوجه نقدًا لاذعًا لعباس محمود العقاد بعد عودته من دمشق على إثر تهديد العقاد بالاستقالة من المجلس الأعلى للآداب والفنون؛ إذا ألقى حجازى وعبدالصبور شعريهما فى المهرجان الشعرى بدمشق. 

غضب حجازى مما حدث وكتب قصيدة مضبوطة وزنًا وقافية على بحر الوافر؛ ليثبت للعقاد أنه قادر على كتابة القالب الشعرى التقليدى الذى يريده، وليس عن عجز كما أشار العقاد، وكتب حجازى:

من أى بحر عصى الريح تطلبه... إن كنت تبكى عليه فنحن نكتبه

يا من يحدث فى كل الأمور... ولا يكاد يحسن أمرًا أو يقربه

أقول فيك هجائى وهو أوله... وأنت آخر مهجو وأنسبه

تعيش فى عصرنا ضيفًا وتشتمنا... إنا بإيقاعنا نشدو ونطربه

حجازى لا يتحدث عن الكتاب السابقين له نثرًا وشعرًا إلا مسبوقًا بكلمة الأستاذ: الأستاذ العقاد، الأستاذ الحكيم، الدكتور طه حسين، وهو يكن محبة واحترامًا خاصًا لعميد الأدب العربى، ويعلق على أحد جدران منزله بورتريهًا لعميد الأدب العربى، ويصفه بأنه كان رجلًا أنيقًا فى اختيار كلماته وتصرفاته.

وقد كان هذا التابلوه وغيره من مقتنيات منزل الشاعر الكبير عُرضة للبيع فى المزاد العلنى، وفاءً لقيمة الغرامة التى حكمت بها المحكمة عليه لصالح الشيخ يوسف البدرى.

وقد وجدت أثناء بحثى أنه قد قام بالفعل مُحضر من محكمة النزهة بحصر عدد من مقتنيات شقة الأستاذ حجازى، ووصفها وثمنها فى تقرير جاء فيه «إن شقة الشاعر الكبير بها جهاز تليفزيون ملون ٢٤ بوصة قيمته ٢٥٠٠ جنيه، وجهاز تكييف قيمته ٤٥٠٠ جنيه، وغرفة سفرة قيمتها ٦ آلاف جنيه تقريبًا، وصالون خشبى قيمته ٤ آلاف جنيه، وجهاز كاسيت وأسطوانات قيمتها ٢٠٠٠ جنيه، وسيتم عرض هذه المقتنيات وغيرها للبيع فى المزاد العلنى؛ لسداد قيمة التعويض التى حكمت به المحكمة على الشاعر الكبير لصالح الشيخ يوسف البدرى، لهجوم الشاعر عليه واتهامه بدعم الإرهاب والتطرف.

حدث هذا فى عام ٢٠٠٧، ولولا تنازل البدرى عن قيمة التعويض؛ لتم بيع مقتنيات منزل الأستاذ ثمنًا للتعويض. 

حكى الأستاذ هذا الموقف فى بساطة آسرة، لكن نبرات صوته لم تخل من حزن أن يكون هذا حال المفكرين والمثقفين فى بلادنا، وأن يكون التعبير عن الرأى ومحاربة التشدد والظلاميين ثمنهما أمن وسلامة وأثاث المفكرين، مما يجعل أى مقولة عن حرية الرأى والتعبير محاولة انتحارية فى مشهد عبثى. 

امتد الحديث وتشعب من قريته «تلا» بمحافظة المنوفية إلى مظاهرات عام ١٩٥٤، التى تسبب اشتراكه فيها فى عدم تعيينه مدرسًا فى بلدته أو محافظته، ثم وفاة والده وتحرره من قيد عدم رضاه عن احتراف ابنه مهنة الكتابة، لكنه جاء إلى القاهرة بعد أن نشرت له مجلة الرسالة الجديدة أكثر من قصيدة، وبدأ رحلته فى عالم الكتابة من مجلة روزاليوسف. 

وللحديث بقية..