رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حين يأخذك الشعر من الكرة.. لا تندم

حدث أن تابع المليارات من سكان المعمورة مباراة نهائي المونديال العالمي في كرة القدم، مساء الأحد الماضي، وقد كنت أرغب في المتابعة كغيري، لكن تصادف أن توقيت بث المباراة يكون هو ذاته الموعد المحدد سلفًا لتكريم "بيت الشعر العربي" برئاسة الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، للشاعر الكبير أحمد سويلم، بمناسبة بلوغه الثمانين عامًا من عمر مديد بإذن الله.
ولأنه حدث صار نادرًا في وسطنا الثقافي أو الإعلامي أو حتى الرياضي، ومع شيوع عدم الاهتمام بالرموز فور أن يتركوا مناصبهم- فما بالكم بمن تركها منذ عقدين من الزمان- فقد قررت الحضور متغلبًا على رغبتي في متابعة نهائي المونديال، وبررت لنفسي الأمر أن متابعة المباراة ستكون متاحة حتى ولو معادة، لكن حدثًا ثقافيًا بهذه القيمة لن أحظى بشرف متابعته إلا من خلال ما سيكتب عنه صحفيًا أو عبر تقارير صوتية أو تليفزيونية تبثها الإذاعات مسموعة ومرئية.
وبالفعل حضرت وفاجأني ما أسعدني، إذ لم أكن الوحيد الذي غلّب قيمة العقل على متعة متابعة الكرة، حتى ولو كانت نهائي المونديال، عشرات من المثقفين وعشاق الكلمة تواجدوا في مسرح مركز الإبداع بدار الأوبرا، فشهدنا جميعًا أمسية في غاية الروعة شهدت كلمات نقدية منصفة في حق الرجل من كتاب ونقاد كبار، وذلك في ثلاث جلسات متتالية أدارها باقتدار: الشاعر السماح عبدالله، مدير بيت الشعر، والشاعرة د. شيرين العدوي، الناقد أحمد عبدالرازق أبو العلا ورشا الفوّال.
وبين الكلمات الكثيرة التي ألقيت توقفت أمام كلمة صديقه المؤلف الدرامي محمد السيد عيد، الذي تخلّى عن كلمته المكتوبة بعد أن وعد بنشرها عبر إحدى المجلات الثقافية المتخصصة، واستفاض الرجل في الحديث عن سويلم الصديق فحكى رحلة البدايات وكيف تقاسما الحلم حتى تحقق كل منهما في الميدان الذي أحبه، أما كلمة ابنة المحتفى به الإعلامية ريهام سويلم، والتي بدأتها بصوت يعبر عن القوة- التي صنعتها فيها تربية أب قوي رغم شاعريته المفرطة، وأم حانية مثقفة هي الإعلامية رباب البدراوي التي أدارت البرنامج الثقافي حقبة من الزمن- غير أن ريهام سرعان ما تحولت في نهاية كلمتها إلى امرأة ضعيفة تبكي فأبكت الحضور، حينها قام والدها فاحتضنها بين ذراعيه وقبل جبهتها في حنان الأب الشاعر.
وقد حق لبيت الشعر أن نحييه على تلك المبادرة التي لم أحضر مثيلًا لها إلا حين تم تكريم الروائي يوسف القعيد في مناسبة مشابهة قبل سنوات بدار الهلال في حضور لفيف من قامات مصر. وظني أنه رغم الحضور الكثيف الذي ميّز احتفالية سويلم إلا أن تعديل الموعد كان أمرًا واجبًا لتتاح الفرصة لعدد أكبر من محبي الرجل ومريديه، فمثل تلك المناسبات تتجاوز الاحتفال بالأشخاص لتتعداهم إلى بث قيم مجتمعية أرى أن أجيالنا الجديدة في الوسط الثقافي وغيره في حاجة شديدة لها.
وكم تمنيت لو جاءت المبادرة بتنظيم هذا الاحتفال من اتحاد الكتاب ليزيل سنوات من الجفاء بين سويلم وإدارة الاتحاد الحالية. وما كان هناك أفضل من مناسبة كتلك لمحو آثار الاختلاف في وجهات النظر الذي أراه صحيًا ومفيدًا. ولا تزال الفرصة سانحة أمام إدارة الاتحاد المحترمة.
ويعد سويلم، مقرر لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، أحد أهم الشعراء المعاصرين المنتمين للمبدعين من جيل الستينيات، إذ بلغت أعماله الشعرية خمسة عشر ديوانًا‏،‏ وأربع مسرحيات شعرية‏، وله العديد من الدراسات الأدبية‏، كما ‏تخصص في الكتابة للأطفال وتدريس مادة أدب الطفل بجامعة حلوان، وهو أحد الذين وضعوا القيود على قصيدة النثر إذ يرى أن مجتمعنا العربي ليس كالمجتمع الغربي كما شغل نفسه بالبحث عن إجابة السؤال: هل انصرف الجمهور عن الشعر أم انصرف الشعراء عن الوصول إلى الجمهور.
لكل هذا استحق الرجل التقدير من جهات عديدة بدأت عام 65 باستحقاقه لجائزة المجلس الأعلى للفنون والآداب، مرورًا بجائزة الدولة التشجيعية عام 89، حتى نال التقديرية في الآداب عام 2016.
يقول سويلم عن نفسه وإبداعاته:
لم أكن آخر الشعراء
واللغات التي انسكبت فوق هذي القراطيس مرة المذاق
كل شيء تأجج من صبوة الشعر لا يقبل الاحتراق 
غير أني أرى الشعراء فريقين:
واحدا في السباق 
و فريقا أسنته الكلمات
يتطهر بالعشق.. يشحذ عينيه بالشوق
يخترق الليل فوق براق