رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السباحة بين أهوال اللجوء

فور طرحه بأيام قليلة على إحدى المنصات الإلكترونية تصدر فيلم «السباحتان The swimmers» قائمة الأعمال الأكثر مشاهدة فى الوطن العربى، كما احتل المركز الأول فى ألمانيا، وعدة دول أوروبية، الفيلم من تأليف وإخراج سالى الحسينى، بطولة منال ونتالى عيسى وأحمد مالك وكندة علوش بمشاركة الممثل الألمانى ماتياس شفيغوفر. 

يدور الفيلم حول قصة حقيقية للأختين سارة ويسرا ماردينى «منال ونتالى عيسى» المحترفتين للسباحة فى مسقط رأسيهما سوريا، التى تزداد فيها قائمة الضحايا والمتوفين يوميًا على إثر الحرب، تدرك الوالدة «كندة علوش» أن الحياة أصبحت مستحيلة فى هذه الظروف، فتدفع الأب للموافقة على هجرة ابنتيها إلى ألمانيا، تمهيدًا لتقديم طلب بانضمام باقى أفراد الأسرة إليهما، يقتنع الأب فى النهاية بعد معرفته بأن ابن أخيه نزار «أحمد مالك» سيصطحب الفتاتين فى رحلة الهجرة، التى يتخللها الكثير من المصاعب قبل أن تكلل فى النهاية بالنجاح. 

ركز ثلث الفيلم الأول على تجسيد تأثير الحرب فى سوريا، شهداء يسقطون يوميًا، تفجيرات ومسلحون فى كل مكان، انعدام تام للأمان والحياة الآدمية، وهو ما عبر عنه الكثير من مشاهد الفيلم، مثل مشهد تحرش أحد أفراد المرتزقة المسلحين بيسرا، بحجة تفتيشها، نراها تصرخ فى وجهه «هيك بتعامل أختك؟» ليرد بصلافة «ما عندى أخوات!»، لقد أكملت يد الحرب كل أشكال القهر الذى ينتهك حياة البشر وآدميتهم، نرى أيضًا مشهدًا مهمًا ومفزعًا هو انفجار حمام السباحة أثناء إحدى البطولات فى سوريا، وسقوط صاروخ فى عمق الماء على مقربة من يسرا لتنجو من الموت بأعجوبة.

بشكل متواز عبّر الفيلم عن صعوبة اتخاذ قرار الهجرة غير الشرعية من خلال الأب الذى يجسد صراع العائلة الحائرة بين قرار البقاء أو الهجرة، من ناحية يتمسك الأب بحلمه فى أن تصل ابنتاه للأوليمبياد انطلاقًا من سوريا، لا بصفته أبًا فقط بل مدربًا لهما أيضًا، وبين حرصه من ناحية أخرى على حياتهما والعيش فى ظروف آمنة، تسمح باستكمال مشوار البطولات، بالإضافة إلى أمله فى انضمام باقى أفراد الأسرة لهما كلاجئين. 

فى الثلث الثانى من الفيلم نشاهد الفتاتين تصارعان أهوال رحلة اللجوء، التى تبدأ بالانتقال من سوريا إلى تركيا قبل التسلل إلى أوروبا، نلاحظ أيضًا الأموال الطائلة التى يجنيها القائمون على التهجير غير الشرعى وتعاملهم غير الآدمى مع اللاجئين الذين يجدوا أنفسهم مكدسين داخل زورق يدوى للوصول إلى اليونان، وهو ما يعرضهم للموت طوال الرحلة سواء بسبب امتلاء الزورق بالمياه، أو تعطل موتوره، أو تكدس العدد الزائد جدًا عن استيعابه، مما يضطر الأختين للقفز فى المياه وقطع المسافة المتبقية بالسباحة فى البحر، لقد قهرتا الموت بعد أن قهرتهما الحياة، وهو ما يجسده مشهد خرقهما الزورق بالسكاكين بعد وصولهما، فى إشارة معبّرة عن إحساسهما بالقهر والمهانة، لتجدان نفسيهما مطالبتين بالسير آلاف الكيلومترات مشيًا على الأقدام، أو مختبئتين فى شاحنات مغلقة مقابل أموال طائلة لمهربين جدد.

نجح الفيلم فى أنسنة اللاجئين من خلال الإشارة إلى تعدد دولهم، واستعدادهم لخوض تلك الرحلة المروعة بكل ما فيها من مخاطر وانتهاك نفسى وجسدى، مقابل التخلص مما يعانونه فى بلدانهم من خوف وتشرد، إنهم فى النهاية بشر لا يهم من أين أتوا، ولكن الأهم هو أن لديهم حلمًا واحدًا هو العيش بكرامة وأمان. 

إلى ألمانيا تصل الأختان أخيرًا فى الثلث الأخير من الفيلم، بعد تعرض إحداهما لمحاولة اغتصاب من قبل أحد المهربين، تضطران للعيش فى ملاجئ ضخمة مخصصة لآلاف اللاجئين، يستحيل معها النوم أو العيش بشكل آدمى.. على أى حال لقد تحققت لهما ظروف معيشية أفضل بدون شك، إلا أن حلم الأوليمبياد يستمر فى مطاردة الأختين خاصة يسرا التى تنجح فى الانضمام لأحد الأندية الألمانية ومن ثم الفوز فى الأوليمبياد، إنه المضمون الهام الذى يحمله هذا الفيلم وهو انتصار الحلم رغم العديد من الصعوبات، الانتصار للحياة بين دوى الصواريخ وفوهات البنادق، وهو ما تأكد فى مشاهد الرقص الذى كان يلجأ إليه أبطال الفيلم فى رسالة واضحة هى ضرورة الاستمتاع بالحياة رغم كل شىء.