رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفاجأة ليلة ساخنة

ليست مبالغة أن يطالب البعض بدخولها لموسوعة جينيس على خلفية تكريمها فى مهرجان القاهرة السينمائى، حيث إن لبلبة هى الممثلة الوحيدة فى العالم التى استمر عطاؤها فى المجال الفنى أكثر من ٧٠ عامًا، متفوقة على فاتن حمامة التى امتد مشوارها ٦٠ عامًا منذ ظهورها كطفلة فى فيلم «يوم سعيد» عام ١٩٤٠ حتى آخر أعمالها مسلسل «وجه القمر» عام ٢٠٠٠.

بينما لم يتعد العمر الفنى للطفلة فيروز أكثر من ٩ سنوات، منذ أن قدمها أنور وجدى عام ١٩٥٠ فى فيلم «ياسمين» وصولًا لآخر أفلامها «بفكر فى اللى ناسينى» عام ١٩٥٩.

منذ أن قدمها المخرج نيازى مصطفى طفلة ذات ٥ سنوات فى أول أفلامها «حبيتى سوسو» عام ١٩٥١ ظلت لبلبة محبوسة أكثر من ٤٠ عامًا فى إطار الكوميديا والاستعراض، رقصت وغنت فى معظم أفلامها مثل «البيت السعيد- رحلة شهر العسل- فى الصيف لازم نحب- مولد يا دنيا- ألف بوسة وبوسة- مغامرون حول العالم- سطوحى فوق الشجرة- الشيطانة التى أحبتنى»، كما قدمت ثنائيًا ناجحًا مع عادل فى عدة أفلام «عصابة حمادة وتوتو- البعض يذهب للمأذون مرتين- احترس من الخط» قبل أن تشاركه فى الألفينات بطولة أفلام «عريس من جهة أمنية- حسن ومرقص» ومسلسلى «صاحب السعادة ومأمون وشركاه».

أثبتت لبلبة طوال هذه الفترة أنها ممثلة استعراضية تقدم الكوميديا بخفة ظل كبيرة أهلتها للوقوف أمام كبار الممثلين الكوميديين خلال تلك الفترة مثل سمير غانم ويونس شلبى ومحمد صبحى وفؤاد المهندس بخلاف عادل إمام، ربما حرمها ذلك من إثبات قدرات تمثيلية كبيرة تمتلكها بالفعل إلا أنه وضعها فى مكانة بارزة فى مجال الكوميديا الذى ظل حكرًا على الممثلين الرجال، كما أثبتت قدراتها على الغناء والرقص كمواهب لم يُجدها سوى قلة قليلة من الممثلات المصريات على مدار تاريخ السينما المصرية.

عام ١٩٩٢ كانت لبلبة على موعد مع منعطف مفصلى كشف لأول مرة عن قدراتها التمثيلية الكبيرة هو فيلم «ضد الحكومة»، الذى لعبت من خلاله دور المحامية سامية حيث قدمها ربما للمرة الأولى بعيدًا عن منطقتى الكوميديا والاستعراض، ليكتمل الضلع الثالث المفتقد بالنسبة لها من خلال أداء رصين أضاف الكثير للفيلم، وهو ما شجع مخرجه عاطف الطيب على إسناد دور البطولة إليها فى فيلمه التالى «ليلة ساخنة» لتؤكد مكانتها الجديدة وتتوج مسيرتها بأكثر من ٩ جوائز مستحقة عن دور حورية فتاة الليل التى يطاردها مجموعة من الشباب العابث، مصرين على قضائها ليلة معهم قبل أن يقوموا بطردها وسرقتها، مما يضطرها للجوء إلى سائق تاكسى يدعى سيد «نور الشريف»، الذى يتورط هو الآخر فى العثور على حقيبة أموال مشبوهة يقرران فى النهاية أن يستحوذا عليها.

لعب السيناريو الذى كتبه رفيق الصبان وبشير الديك دورًا كبيرًا فى جودة النص الذى دارت أحداثه فى ليلة واحدة هى ليلة رأس السنة، وكيف تعيشها طبقات متباينة، خاصة المهمشين، أمثال سيد وحورية، فبينما يعانى سيد من أزمة إصابة حماته التى ترعى ابنه المعاق ذهنيًا بعد وفاة زوجته قبل أن يفاجأ بحاجتها لإجراء جراحة عاجلة، تواجه حورية واقعة سرقة من قبل زقزوق «حسن الأسمر» واحتياجها للأموال، منعًا لتنكيس منزلها والعيش دون مأوى.

برعت لبلبة فى أكثر من مشهد فى الفيلم مثل استسلامها للاستغلال الجنسى تحت تهديد السلاح، الذى عبرت من خلاله عن مدى شعورها بالقهر الذى دفعها للاستحواذ على حقيبة الأموال، بالاتفاق مع سيد فى المشاهد الأخيرة التى عبرت من خلالها فى صمت عن مدى الهزيمة التى دفعتها لاتخاذ هذا القرار.

لم تكسب لبلبة من فيلم «ليلة ساخنة» مجرد دور متميز، بل بقعة ضوء أظهرت لمخرجى السينما المصرية وجود ممثلة قديرة يمكن الاعتماد عليها فى أدوار مركبة وجادة، فأسند لها سمير سيف دور منى فى فيلمى «لهيب الانتقام ومعالى الوزير»، بينما قدمها أسامة فوزى فى فيلمه الرائع «جنة الشياطين»، كما التقطها يوسف شاهين لتقدم من إخراجه فيلمى «الآخر وإسكندرية نيويورك» قبل أن تعود مرة أخرى إلى الكوميديا فى أفلام «عريس من جهة أمنية والبيه رومانسى وعائلة ميكى وكازابلانكا».