رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما فضحته مفاوضات كوب 27

المؤكد، وما لم يعد قابلًا للشك أو التشكيك، هو أن مصر نجحت، بشكل لافت، فى تنظيم أنجح دورات مؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ: الدورة السابعة والعشرين، كوب ٢٧، التى بدأت فعالياتها فى ٦ نوفمبر الجارى، وكان مقررًا أن تنتهى أمس الأول الجمعة، لكن، كعادة كل الدورات السابقة، تم تمديد المفاوضات، ليوم إضافى، أملًا فى حل النقاط الخلافية، وحلحلة الملفات الشائكة، والتوصل إلى صيغة نهائية تلبى طموحات شعوب العالم، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.

طوال السنوات الثلاثين الماضية، قاومت الدول الغنية، التى توصف بأنها متقدمة، والمسئولة عن النسبة العظمى من الانبعاثات الضارة، طرْح ملف «الخسائر والأضرار» للنقاش. وبعد أن تمكنت الرئاسة المصرية للمؤتمر من إدراج هذا الملف، لأول مرة، على جدول الأعمال، عارضت الولايات المتحدة إنشاء صندوق لتوفير التمويل للدول المتضررة من الكوارث المناخية، ورفضت استخدام مصطلح «تعويض»، وزعمت أن الأفضل أن يتم التمويل عبر ترتيبات، أو تعقيدات مالية، كحشد مزيد من طاقات القطاع الخاص، أو اللجوء إلى هيئات قائمة مثل «الصندوق الأخضر للمناخ»، دون الحاجة إلى استحداث آلية جديدة!.

الهدف نفسه، حاول الاتحاد الأوروبى الوصول إليه عبر طريق متعرج أو ملتوٍ، حين وافق، شكلًا، على فكرة إنشاء الصندوق، ثم وضع عدة شروط عبثية من بينها أن يقتصر دوره على دعم «الدول الأكثر ضعفًا»، وأن تتسع قاعدة الدول المانحة، لتشمل الصين والهند ودول الخليج، و... و... وبالتالى كان طبيعيًا أن تتحفظ مجموعة «الـ٧٧ والصين»، التى تضم غالبية الدول النامية، على هذا المقترح، ليس فقط بسبب مطالبته بتوسيع قاعدة الدول المانحة، ولكن أيضًا لكونه لم يحدد تعريفًا واضحًا لـ«الدول الأكثر ضعفًا». وعليه، طالبت «المجموعة» بأن يقوم الصندوق بتعويض «كل الدول المتضررة»، على أن تقوم «الدول المتقدمة» بتمويله لكونها المسئولة عن أكبر نسبة انبعاثات.

المهم، هو أن الرئاسة المصرية للمؤتمر قامت بعد المسودة الأولى، المكونة من ٢٠ صفحة، بطرح مسودة جديدة للبيان الختامى، فى ساعة متأخرة من مساء الخميس، مكونة من ١٠ صفحات، وصفتها الغالبية العظمى من الدول بأنها «متوازنة»، وقالت شيرى رحمن، وزيرة التغير المناخى الباكستانية، باسم مجموعة الـ«٧٧ والصين»، التى تترأسها بلادها، إنها مقبولة «مع بعض التعديلات القليلة التى اقترحناها».

مع ذلك، قال فرانس تيمرمانس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، للصحفيين، إنهم يفضلون «عدم التوصل إلى نتيجة من التوصل إلى نتيجة سيئة»، زاعمًا أن الأوروبيين قلقون من أشياء رأوها وسمعوها فى الساعات الـ١٢ الأخيرة، بشأن «إبقاء هدف حصر الاحترار بـ١.٥ درجة مئوية حيًا». ولا نعرف كيف تعامى المذكور عن تشديد المسودتين، الأولى والثانية، للبيان الختامى، فى أكثر من فقرة، على ضرورة الالتزام بـ ١.٥ درجة مئوية كحد أقصى لارتفاع درجات الحرارة. كما لا نعرف على أى أساس قال أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الذى أكد أنه حضر على عجل من اجتماعات مجموعة العشرين فى جزيرة بالى: «لقد اتفقنا على حلول واضحة بشأن الخسائر والأضرار، وسدّ فجوة الانبعاثات، وتقديم التمويل». 

.. وأخيرًا، لعلك تتذكر أننا كنا قد أشرنا، فى مقال سابق، إلى أن كلمات رؤساء الدول والحكومات، فى كل القمم السابقة، شدّدت على ضرورة تعزيز جهود التكيف للتعامل مع الكوارث المناخية، ولمواجهة آثارها المستقبلية، وحذّرت من أن الفشل فى ذلك يهدد حياة المزيد من البشر، و... و... وتضمنت وعودًا وتعهدات، بعيدة كل البعد عما شهدته غرف التفاوض، التى حرصت على إبقاء ثغرات تحيل أى قرارات أو تعهدات إلى حبر على ورق. وعليه، رأينا أن الرئيس السيسى سدّد السهم وسمّى ورمى، حين طالب القادة، خلال افتتاحه الشق الرئاسى للقمة، بأن تكون توجيهاتهم لمفاوضيهم، هى التحلى بالمرونة والعمل على بناء الثقة والتوافق.