رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا سبيل إلا زيادة الإنتاج

  أصابتنى حالة من الضيق والحزن مع التحرير الأخير لسعر الصرف، وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار حتى وصل سعر الدولار إلى ٢٢ جنيهًا، وهناك تكهنات بأن يستمر انخفاض قيمة الجنيه. 

تزامن هذا مع الاطلاع على تقارير منشورة عن ارتفاع قيمة الدين الخارجى لمصر ليصل إلى ١٦٠ مليار دولار تستحق على مدى السنوات الخمس المقبلة، وأن الدين العام يشكل نسبة تساوى ٩٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى. 

فى الوقت نفسه، تشهد الأسواق ارتفاع مستوى التضخم إلى مستوى قياسى للمرة الأولى منذ عام ٢٠١٨، بعدما سجل فى سبتمبر الماضى نحو ١٥ فى المائة، وقد كان ٦٪ فى الشهر نفسه العام الماضى.

دفعتنى هذه المعلومات للبحث عند معدل الديون فى دول العالم، وعن معدلات التضخم فى العالم، فوجدت وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولى أن حرب روسيا على أوكرانيا تسببت فى ارتفاع حجم الديون الحكومية فى العالم إلى مستوى غير مسبوق، مسجلة رقمًا قياسيًا جديدًا، بعدما كسرت حاجز ٩٧ تريليون دولار، أى ما يعادل ٩٤.٤٪ من إجمالى الناتج العالمى، أى أن معدل الاستدانة قد تزايد على مستوى العالم كله. وذكرت البيانات أن الحكومات الأعلى مديونية فى العالم هى: الولايات المتحدة ٣١.٨ تريليون دولار، الصين ١٥.٥ تريليون دولار، اليابان ١٢.٩ تريليون دولار، فرنسا ٣.٣ تريليون دولار، إيطاليا ٣.١ تريليون دولار، الهند ٣.١ تريليون دولار، أيضًا ألمانيا بقيمة ٣ تريليونات دولار، وبريطانيا بقيمة ٣ تريليونات دولار.

وبالنسبة للدول العربية: مصر ٤٠٩.٥ مليار دولار، السعودية ٢٥٠.٧ مليار دولار، الإمارات ١٥٨.٩ مليار دولار، الجزائر ١٠٩.٦ مليار دولار، العراق خامسًا ١٠٤.١ مليار دولار، المغرب بديون تتجاوز ١٠٢.٦ مليار دولار.

وهذه الديون تشمل الديون الخارجية والداخلية. 

وقد فوجئت بأن تكون دول الخليج دولًا مديونة، لكن التغيرات العالمية أثرت على الجميع، فمع حلول أزمة انهيار أسعار النفط ٢٠١٤، وكذلك جائحة كورونا، تغير الحال. واتجهت الدول النفطية العربية للاستدانة على الصعيدين الداخلى والخارجى، وبذلك أصبحت جميع الدول العربية مثقلة بالديون.

أما معدلات التضخم فقد ارتفع متوسط معدل التضخم العالمى ووصل إلى ٩٪ وفى الوقت نفسه ارتفع التضخم فى بعض الدول إلى معدلات قياسية.

ففى تركيا ارتفع معدل التضخم إلى ٧٠٪، وفى الأرجنتين وصل ٥١٪، وفى سريلانكا حوالى ٣٠٪، فى إيران المعدل الرسمى للتضخم حوالى ٤٠ فى المائة، لكن بعض التقديرات يشير إلى أنه يزيد على ٥٠٪. وفى روسيا ١٤٪، ألمانيا ١٠٪، إيطاليا ١١٪، فلا توجد دولة من دول العالم لم تشهد ارتفاعًا فى مستوى التضخم. وبشكل عام وفقًا لمدونة البنك الدولى، تسببت الحرب الروسية الأوكرانية فى ارتفاع التضخم فى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى ١٤٪.

إن محاولة فهم الأسباب التى أدت إلى مشكلة هى الطريق الآمن للوصول إلى حل لها فى اللحظة الراهنة التى تعانى فيها كل شعوب العالم من توابع كوفيد- ١٩ ومن توابع الحرب على روسيا.. بعد عرقلة سلاسل الإمداد العالمية وصار من الصعب على الشركات إنتاج السلع وتوصيلها، وأصابت الحرب واردات المواد الغذائية الأساسية، ومنتجات الطاقة والأسمدة، بالشلل فى بعض البلدان، كما تسببت فى قفزات عامة للأسعار، لا سيما أسعار المواد الغذائية.. ووفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، يعتمد ما يقرب من ٥٠ بلدًا على أوكرانيا وروسيا فى الحصول على ٣٠٪ على الأقل من وارداتها من القمح ومن بينها مصر، فمشكلتنا جزء مما يحدث فى العالم.

لكن البعض يحاول أن يصطاد فى الماء العكر ويصور للناس أن هناك فسادًا أو سوء تصرف، وهو مستفيد من حالة السخط والحنق التى تصيبنا جميعًا نتيجة ارتفاع الأسعار المتواتر فى ظل ثبات الأجور أو زيادتها بنسبة لا تتوازن مع ارتفاع الأسعار. ولكى تقضى الحكومة على هذه المحاولات، عليها بالنسبة للتضخم، وهو النار التى يمسكها المصريون بأيديهم، مراقبة الأسعار والضرب بيد من حديد على الانفلات وجشع التجار وإصدار قرارات حاسمة ورادعة فى هذا السياق، وبالنسبة لمشكلة الديون على الحكومة أن تلتزم بالصراحة والشفافية التامة والإعلان عن أوجه إنفاق الدين العام خلال السنوات الماضية، وأن تعلن عن جداول ومواعيد تسديد الدين، والأهم العمل على زيادة الإنتاج، فلن يواجه الديون أو التضخم سوى زيادة الناتج المحلى، وما عدا ذلك فهو مجرد مسكنات.