رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب الإعلامية الأمريكية على الصين: اضطهاد الإيجور باسم حقوق الإنسان!

رغم انكشاف الأكاذيب تلو الأخرى التي تحرص الولايات المُتحدة الأمريكية على ترويجها من خلال آلتها الإعلامية ضد الصين، إلا أن الآلة الإعلامية الأمريكية لا تلتفت إلى انكشاف أكاذيبها، بل تسعى من خلال أنظمتها السياسية إلى تلفيق المزيد من هذه الأكاذيب مُستندة في ذلك إلى مفهوم حقوق الإنسان، وهو المفهوم الذي تعمل أمريكا على فرضه على الكثير من دول العالم من أجل التدخل في شئونها الخاصة، أو محاولة تشويه بعض الدول من أجل مصالحها السياسية والاقتصادية، والعسكرية.

إن الاستناد على مفهوم حقوق الإنسان، والادعاء بوجود اضطهاد موجه إلى مُسلمي الإيجور في منطقة شينجيانغ الصينية قد يفضي إلى القضاء العرقي عليهم من شأنه شيطنة النظام الصيني أمام العالم؛ مما يؤدي إلى الكثير من الخسارات للصين في علاقاتها مع غيرها من الدول، لا سيما على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي، وهو ما ترغبه الولايات المُتحدة من أجل تعطيل تقدم الصين، ووضع قدم راسخة لها في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما إفريقيا التي ترتبط بها الصين بالكثير من المصالح الاقتصادية منها والسياسية.

في يوم 3 ديسمبر، أجاز مجلس النواب الأمريكي ما يسمى "بمشروع قانون سياسة حقوق الإنسان للإيجور عام 2019م"، والذي يهدف إلى التشويه والتدخل في شئون شينجيانغ الصينية، حيث طلب من الحكومة تقديم "تقرير انتهاك حقوق الإنسان"، وفرض العقوبات على بعض المسئولين الصينيين، وفرض القيود على تصدير أو إعادة تصدير أصناف مُعينة من البضائع ونقلها محليًا. وبعد دراسة دقيقة أجراها مُراسل صحيفة "جلوبال تايمز الصينية"، وجد أن محتويات مشروع القانون ليست جديدة. وما زال أولئك الساسة يستخدمون "المعايير المزدوجة" لتشويه سياسة شينجيانغ الصينية والتغاضي عن إنجازات شينجيانج فى الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية. وصرح لوي شيانج، الخبير فى الشئون الأمريكية بأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية، لصحيفة "جلوبال تايمز": بأن مشروع القانون هذا ليست له أي آلية للمُراجعة ولا يتسم بالجدية اللازمة. وقال أيركن، وهو صحفي تركي يتابع قضايا شينجيانغ: "إن الولايات المُتحدة تمثل معيارًا مزدوجًا". وأضاف أن: "الصين تسعى لضمان أمن المُعتقدات واللغات والثقافات الداخلية بينما تحاول الولايات المُتحدة تدميرها"!

إذا ما تأملنا القانون السابق الذي تحاول الولايات المُتحدة فرضه على الصين باسم حقوق الإنسان واضطهادها لمُسلمي الإيجور سيتضح لنا أنه قد وُضع من أجل عرقلة تقدم الصين على المستوى الاقتصادي في المقام الأول، ولعل ذلك يتضح لنا جليا من رغبة الولايات المُتحدة في "فرض القيود على تصدير، أو إعادة تصدير أصناف مُعينة من البضائع ونقلها محليا"! 

إن هذا الشرط الذي نقرؤه من خلال القانون الأمريكي من شأنه أن يجعلنا نتساءل: ما علاقة حقوق الإنسان والاضطهاد الصيني لمُلسمي الإيجور في مُقاطعة شينجيانغ بالبضائع والحركة الاقتصادية اللهم إلا إذا كان الأمر ينصب على تعطيل تقدم لصين الاقتصادي في المقام الأول من خلال صناعة الأكاذيب من حولها وتشويه صورتها.

لكن، لِمَ يتوق الساسة الأمريكيون مُتلهفين لطرح قانون تلو القانون ضد الصين؟

وفقا للنص الذي اطلعت عليه صحيفة "جلوبال تايمز الصينية" فإن "مشروع القانون" يتكون من تسعة فصول تشمل أجزاءها الأساسية "نتائج التحقيقات" و"رأي الكونجرس" وكذلك بعض الإجراءات بشأن العقوبات ضد الصين. وإن الهدف المُعلن من مشروع القانون يهدف إلى "لفت انتباه الإدارة الأمريكية إلى الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك المُراقبة الجماعية للصين في شينجيانغ واحتجاز أكثر من مليون شخص من الإيجور وغيرهم من الأقليات المُسلمة والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان".

كما أشار مُراسل صحيفة "جلوبال تايمز" إلى أنه بالمُقارنة مع الصيغة الصادرة عن مجلس الشيوخ التي تم اعتمادها في شهر سبتمبر الماضي، فإن صيغة مجلس النواب قد قللت بشكل كبير الحالات المُحددة التي تهدف إلى انتقاد الصين من ناحية، وأضافت بابا جديدا إلى "بيان تحديث السياسة الأمريكية تجاه الصين" وفرض عقوبات ضد عدد من كبار المسئولين في الصين في ضوء "قانون ماغنيتسكي العالمي للمُساءلة لحقوق الإنسان"، و"القيود المفروضة على تصدير أو إعادة تصدير بعض الأصناف أو نقلها محليًا".

في الواقع، قبل تقديم "مشروع القانون" إلى مجلس النواب، كانت الحكومة الأمريكية قد حرصت على وضع سلسلة من التدابير حول القمع في شينجيانغ، على سبيل المثال، في شهر أكتوبر من هذا العام أعلنت وزارة التجارة عن إدراج 20 شركة حكومية صينية، و8 شركات في قائمة "الكيانات" المُراقَبةِ الصادرات، وفرضت القيود على تأشيرات وزارة الخارجية لبعض المسئولين الصينيين. وردًا على ذلك، قال الباحث يوان تشنغ في المعهد الأمريكي بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في مُقابلة مع مُراسل صحيفة "جلوبال تايمز": إن القرارات التنفيذية التي أصدرتها الإدارات الحكومية يمكن إلغاؤها في أي وقت وفقا للحالة الفعلية، أما إذا ما كان "مشروع القانون" قد تم توقيعه رسميًا من قبل الرئيس ليصبح قانونًا، سيكون من الصعب جدًا إلغاؤه، حيث ينبغي وجود سبب كافٍ لذلك، وأن يمر بمجموعة كاملة من الإجراءات ويُعاد طرحه للمُناقشة في الكونجرس، بل إن سن تشريع أصعب من الإلغاء. فهذا هو الفرق الأساسي بين الإثنين. إن الموافقة على مشروع القانون يشير الى أن التدخل الأمريكي فى شئون شينجيانغ الصينية قد دخل مرحلة جديدة. لقد أصبح التدخل في شينجيانغ يتفاعل داخل الولايات المُتحدة، سواء من جانب السُلطة التنفيذية أو من قِبَل الكونجرس، وأصبح بمثابة "قانون يجب الالتزام به" وكذلك التدخل في شئون شينجيانغ من خلال الضجة الإعلامية طويلة الأمد. فضلًا عن ذلك، فإن الولايات المُتحدة سوف تلحق الضرر بصورة الصين الدولية إلى حد ما، وذلك لأن الولايات المُتحدة قوة عظمى ذات نفوذ هائل!

جدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وقع على ما يسمى "قانون حقوق الإنسان والديمقراطية في هونج كونج" الذي أقره المجلسان. وفي غضون أيام قليلة، اقترح الكونجرس الأمريكي "قانون سياسة حقوق الإنسان للإيجور لعام 2019م".

 إذن، لماذا هذه العجلة وعدم الصبر للمُشرعين المعنيين؟ قال دياو دا مينغ الاستاذ المُساعد في قسم العلاقات الدولية بجامعة الشعب الصينية لمُراسل صحيفة "جلوبال تايمز": إن الكونجرس الأمريكي عادة ما يكون مشغولا في النصف الأول من العام. وأضاف: "إذا لم ينجز الكونجرس ذلك الآن، سوف يتم إرجاء بحثه حتى مارس أو أبريل من العام المقبل، ومن ثم فإنهم يريدون إنهاء الأمر بسرعة، ويعتقد بعض أعضاء البرلمان أن تمرير مشروع القانون سيكون أسهل في ضوء حالة تكثيف الضربات للصين"!

من هنا يتضح لنا أن الولايات المُتحدة لا تعنيها الحقائق بقدر ما يعنيها التلفيق من أجل وضع السياسة الصينية، والدولة بأكملها في مأزق أمام الرأي العام العالمي؛ الأمر الذي لا بد أن يؤدي بالضرورة إلى محاولة عزل الصين سياسيا ودبلوماسيا، بل واقتصاديا عن غيرها من الدول التي ستعمل على مُقاطعتها باعتبارها تنتهك حقوق مُسلمي الإيجور وتعمل على اضطهادهم وتصفيتهم عرقيا، وهو الأمر الذي يخالف الواقع، لكن الآلة الإعلامية الأمريكية حريصة على تكريس هذه الصورة أمام العالم باسم حقوق الإنسان من أجل التدخل في الشأن الصيني الداخلي، وهو ما يُعد اعتداء على استقلالية الصين وسيادتها على أراضيها، كما لا يفوتنا أن هذا الأسلوب هو الأسلوب الذي عادة ما تتبعه الولايات المُتحدة مع جل الدول في العالم من أجل التدخل في شؤونها الداخلية، ومن ثم السيطرة عليها.

إن الفرق الأكبر بين مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب وبين ما أقره مجلس الشيوخ هو أن الأخير حذف حالات مُحددة من "نتائج التحقيق" ولم يذكر أسماء بعينها وردت في "نتائج التحقيق" السابق ونسبها إلى أسماء مجهولة، بل وشُوهت مرة أخرى الحوادث التي نُشرت بالفعل في الكتاب الأبيض حول "مُكافحة الإرهاب وإزالة التطرف وحماية حقوق الإنسان في شينجيانغ"، والتي تفتقر إلى المصداقية.

قال دياو دا مينغ: "إن هناك الآن إجماعا من المجلسين في واشنطن على فرض ضغوط على الصين، الأمر الذي يجعل الأغلبية الصامتة لا تستطيع فعل شيء إلا أن تعزف معهما على نفس الوتر، لذلك في رأيهم، فإن تمرير مشروع القانون قد لا يحتاج إلى تقديم الكثير من الحجج". إن تكتيكات الساسة الأمريكيين ضد الصين أصبحت أكثر دهاءً. في نهاية المطاف، إن الأرقام والحالات التي أدرجوها غير موثوقة، الأمر الذي قد يؤدي بسهولة إلى الكثير من الشكوك حول صحتها. فهم ليسوا بحاجة إلى إضافة بعض النقاط التي يمكن مُهاجمتها"!

في نسخة "مشروع القانون" الصادرة عن مجلس النواب الأمريكي، تم توجيه الاتهامات جزافا بكلام مُرسل وعبارات غامضة لما يُسمى "بمُعسكرات إعادة التثقيف"، مثل "سوء المرافق، ونقص الرعاية الطبية". ومع ذلك، فإن ما شاهده مُراسل "جلوبال تايمز" في العديد من المُقابلات الميدانية مُنذ عام 2018م هو أن كل مراكز تعليم المهارات والتدريب المهني في شينجيانغ مُجهزة بمرافق طبية مُتكاملة، ويوجد فيها غرف طبية وأطباء مُتخصصين بدوام كامل يقدمون الخدمات الطبية للمُتدربين على مدار 24 ساعة في اليوم، كما يمكن علاج الأمراض البسيطة في المستوصفات، ويمكن نقل حالات الطوارئ الخطيرة إلى المُستشفى لتلقى العلاج.

كما وجد المُراسل أن ما يسمى "بالحقائق" الواردة في "نتائج التحقيق" تفتقر إلى حد كبير إلى ذكر الزمان والمكان والمصدر الدقيق، بل وتحتوي على عبارات غامضة مثل "يبدو". إذن، أين مصادر هذه "الحقائق"؟  لقد أشار مُراسل "جلوبال تايمز" إلى بعض التفاصيل مثل جزء من "آراء الكونجرس" في الفصل الخامس من "مشروع القانون"، الذي ينص على أنه "ينبغي الإشادة بمُراسلي الإيجور التابعين لإذاعة آسيا الحرة لإجادتهم تغطية حالات حقوق الإنسان والوضع السياسي في شينجيانغ".

ألا يبدو الوضع هنا عبثيا؟ فالولايات المُتحدة حريصة كل الحرص على التأكيد للعالم بأن ثمة اضطهادا مُنظما، وتصفية عرقية مُنظمة يمارسها النظام الصيني ضد أقلية الإيجور المُسلمة ذات الحُكم الذاتي في منطقة شينجيانغ، وهو ما يُخالف الحقيقة، لا سيما أن مُسلمي الإيجور يتمتعون بالمواطنة الصينية الكاملة، لكنهم رغم تمتعهم بهذه المواطنة فإنهم لديهم الكثير من الرغبات الانفصالية عن الصين وتكوين دولة مُستقلة بهم، وهو الأمر الذي يجعلهم شديدي التطرف مع أبناء قوميتهم من الإيجوريين الذين يرون أنهم ينتمون إلى النظام الصيني؛ الأمر الذي يجعل الإيجور يتهمون أبناء قوميتهم ممن ينتمون إلى النظام الصيني بأنهم خائنون لقوميتهم، بل ويتابعونهم من أجل تصفيتهم جسديا باعتبارهم خائنين، فضلا عن الكثير من أعمال العنف والشغب التي يمارسونها مما يجعل النظام الصيني في نهاية الأمر مُضطرا إلى الدفاع عن وحدة أراضيه ومواجهتهم بالعنف، وهو ما تُطلق عليه الولايات المُتحدة محاولة التصفية العرقية للإيجور، أو اضطهاد مُسلمي أبناء المنطقة في شينجيانغ!