رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السباحة ضد المواطنة!

على الرغم من الجهود الكبيرة التي يقوم بها الرئيس السيسي في دعم دولة المواطنة وتفعيل الاندماج الوطني بين المصريين على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم، نجد من يسبح ضد دولة المواطنة بأفعال وأقوال تعمل على تفتيت وحدة الوطن وبناء السدود لا الجسور، 
فخلال الفترة الماضية ظهرت على السطح بعض التصرفات السلبية التى تعرقل مسيرة المواطنة والاندماج الوطني. 

وسأقتصر فى حديثي على ثلاثة مواقف سلبية كاشفة، وهي: تأسيس نادي عيون مصر، ووضع الطلاب المسيحيين في فصل واحد بإحدى المدارس، وما قاله فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر عن أسلمة حرب أكتوبر.

الموقف الأول هو نادي عيون مصر الذي أسسته إحدى الكنائس بغرض علاج مشكلة عدم تواجد لاعبين مسيحيين في الأندية الرياضية الكبرى، وحقًا هذا صحيح، ولكن الخطأ لا يُعالج بخطأ مماثل، فنادي عيون مصر بطائفتيه يفقأ عيون مصر وليس من أجل عيون مصر!! ووجود نادٍ للمسيحيين لا يحقق الاندماج الوطني ولا يعمل على دعم دولة المواطنة بل يؤدي إلى وجود حواجز دينية وطائفية بين المصريين. 
وقد عبر عدد كبير من المسيحيين والمسلمين الداعمين لدولة المواطنة عن رفضهم التام وجود نادٍ رياضي يقوم على أساس ديني أو طائفي، وحسنًا ما قامت به وزارة الشباب والرياضة حيث أغلقت ملف نادي عيون مصر، حيث إنه يتعارض مع مفاهيم المواطنة التي ينص عليها الدستور، والتي تمنع وجود أي تمييز على أساس ديني في أي مكون مجتمعي، ومن بينها الأندية الرياضية.

الموقف الثاني هو ما قامت به إدارة مدرسة دمنهور شبرا الرسمية للغات، التابعة لإدارة غرب شبرا الخيمة التعليمية، التابعة لمحافظة الدقهلية، بفصل كل الطلبة المسيحيين فى الصف الرابع الابتدائى عن زملائهم المسلمين، ووضعهم فى فصل واحد منفصل تمامًا عنهم، وقد برر المسئولون هذا التصرف بقولهم إن هذا الفصل بين الطلاب يتعلق بحصة الدين المسيحي.. ولكن هل يدل مثل هذا التصرف العنصري على أننا نعيش في دولة مدنية ترسخ المواطنة؟ ألا يؤكد هذا أننا نعيش فى دولة دينية بامتياز؟!
وإذا كانت مادة الدين ستؤدي إلى عزل الطلاب المسيحيين عن زملائهم المسلمين، فلندغِ تدريس الدين في المدارس وليدرس الطلبة المسلمون والمسيحيون معًا قيمًا أخلاقية مشتركة عن الحب والتضحية والخير والجمال والسلام وقبول التنوع والتعددية، فهذا ما يدعم دولة المواطنة.. وحسنًا ما فعلته وزارة التربية والتعليم بالتدخل الفوري لإلغاء الفصل العنصري بين الطلبة المصريين، ودمج الطلبة مع بعضهم.  

أما الموقف الثالث فهو موقف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذي قال: "إن من دلائل الخير والفأل الحسن أن يواكب احتفالنا بذكرى المولد النبوى الشريف هذا العام، الاحتفال بانتصارات أكتوبر، التي أعز الله بها العرب والمسلمين وأيدهم فيها بنصر من عنده وأعاد إليهم أرضهم وديارهم"، انتهى الاقتباس..
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل نصر أكتوبر هو نصر للمسلمين فقط؟!! وهل حرب أكتوبر كانت حربًا دينية؟ وهل الأرض التي استعادها المصريون هي أرض المسلمين فقط؟!!
لا يا فضيلة الإمام الجليل.. إن نصر أكتوبر هو نصر للمصريين جميعًا بمسلميهم ومسيحييهم، وغنيٌ عن البيان أن دماء المسيحيين اختلطت بدماء المسلمين من أجل تحرير هذا الوطن الغالي الذي يضمنا جميعًا والذي نعيش على أرضه ونلتحف بسمائه ونرتوي من نيله، ولا يمكن لأحد أن ينكر الدور الذي قام به اللواء باقي زكي يوسف في تحطيم خط بارليف، وغيره من الجنود والضباط والأطباء المسيحيين الذين ضحوا بحياتهم مع المسلمين لأجل مصر الغالية.

وختامًا.. إننا نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى دعم دولة المواطنة والعمل على تفعيل الاندماج الوطني، كما أننا نحتاج إلى بناء الجسور لا السدود، وهذا لن يتحقق إلا بالعمل الجماعي المشترك وبالتصريحات المنضبطة المسئولة.. فعلى من يسبحون ضد المواطنة أن يتعلموا من دروس التاريخ والجغرافيا، وأن يكفوا عن لعب هذا الدور الذي قد يؤدي بنا إلى تقسيم الوطن وتدمير الأخضر واليابس معًا، وهذا ما لا يرضاه أي عاقل مخلص لهذا الوطن!!