رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسئلة نوبل و«قلة الأدب» العربى

قبل أيام من إعلان الفائزة بجائزة نوبل للأدب هذا العام، ومثلما يحدث كل عام، طرح كثيرون السؤال حول غياب الفائز العربى بالجائزة منذ نجيب محفوظ، وهو سؤال يتردد كثيرًا مقترنًا بتجاهل الغرب لكل ما هو عربى، إلى جانب عدد من الاتهامات التى باتت محفوظة وممجوجة من كثرة تكرارها، وتهافتها، خصوصًا أنها تترافق مع طرح عدد من أسماء الكتّاب العرب المشهورين دوليًا، أو الذين يظن البعض أنهم كذلك، وهم على وجه التحديد السورى على أحمد سعيد الذى نعرفه باسم «أدونيس»، ومعه اسم أو اسمان آخران لا ترقى كتابات أى منهم، فى تصورى الشخصى، إلى غير الجوائز العربية الإقليمية، والمحلية المحدودة محدودية منجزاتهم الفقيرة، ربما لم يكن يستحقها من الأسماء التى اعتاد المشتغلون بالكتابة العربية طرحها غير شاعرين عربيين كبيرين بالفعل، لكنهما توفيا قبل سنوات، أولهما وأكثرهما استحقاقًا لمثل هذه الجائزة توفى فى أبريل ٢٠١٥، وهو الشاعر المصرى الفذ عبدالرحمن الأبنودى، الذى ربما لم يترشح لها لأنه يكتب بالعامية المصرية، وهو سبب فى ظنى أتفه من وضعه فى الاعتبار، وثانيهما الذى حرمته السياسة منها توفى فى أغسطس ٢٠٠٨، وهو الفلسطينى الأهم محمود درويش، وكلاهما لم يعد بقادر على المنافسة أو الطرح بحكم الغياب.

الطريف أنه تمت إضافة بعض الأسماء العربية هذا العام على سبيل السخرية من أصحابها، ومن المنتج العربى عمومًا، وكلها لفائزين بجوائز يظن البعض فى أهميتها، أو قدرتها على تدشين الفائزين بها كأدباء أو مبدعين تتم ترجمة أعمالهم إلى عدد من اللغات الأوروبية، فى مقدمتها اللغة الإنجليزية بالطبع، ولكنها بالتأكيد لا تحيى الموتى، ولا تصنع من «الفسيخ شربات».

بالفعل لدينا جوائز كثيرة جدًا، فى الشعر والرواية والمسرح والنقد والفلسفة، وبعضها يمكن اعتبارها جوائز كبيرة، «ماليًا» ومعنويًا، يكفى أن بينها جائزتين تحملان اسم كبير الكتّاب العرب، نجيب محفوظ، لكن تعال معى ننظر إلى أسماء الفائزين بهذه الجوائز، وماذا قدموا لها أو قبلها أو بعدها؟.. أسماء كثيرة، من مصر ولبنان والمغرب وفلسطين وسوريا والبحرين والكويت والسودان وتونس والجزائر وليبيا.. لكن الحقيقة أن تلك الجوائز فى مجملها ذهبت لمن ذهبت إليهم لأسباب لا علاقة لها بجودة المكتوب، أو تفرده، أو لغته، أو جدته، هى أقرب إلى ترسيخ فكرة «قلة الأدب العربى»، وضعفه وتهافته.. ولك أن تعرف أن كثيرًا من أشهر الكتّاب العرب يتباهون بأنهم لا يقرأون، يعترفون بذلك جهارًا نهارًا، لا يخجلون من التصريح بذلك أمام الجميع، بل إن منهم من يلقى بالكتب التى يهديها إليه شباب الكتّاب من أقرب نافذة، دون أن يلقى ولو نظرة خاطفة على محتواها.

هذا هو الحال الذى ينبغى أن نعترف به، وهذه هى الحقيقة التى ينبغى أن نواجهها، فغالبية ما لدينا عبارة عن كتّاب لا يقرأون، ولا يعرفون عن الكتابة أكثر من اسمها، لا تستقيم لهم جملة، ولا تكتمل لديهم فكرة، ومنهم من يستخدمونها كواجهة اجتماعية لا أكثر ولا أقل، ونقاد «على ما تفرج»، متفرغين لمجاملة الأصدقاء والمعارف ورفاق الموائد والمقاهى، والجيل الواحد، ولجان تحكيم يقوم عملها على إعانة المحتاج وستر المعذور، ومكافأة الأجير، ورفيق الحزب والتيار، أو الصاحب فى الليالى، بينما يتم تغييب الأسماء الجيدة الجادة، المخلصة للكتابة والأدب، وقراءة الحياة، والمدهش فى الأمر أن الجميع يعرف ذلك، فالحكايات كثيرة، ومتداولة، ويعلم بتفاصيلها الجميع، لكنهم يفضلون المشاركة فى لعبة التواطؤ تلك، فهل تصدق أنه من الممكن أن ينظر العالم إلى أدبائنا ومبدعينا بجدية واهتمام ونحن من نطمس الأسماء، ونغيّب الأعمال لمجرد أننا لا نحب كتّابها، أو لا نعرفهم بصورة شخصية، ولم نقرأ لهم من الأصل؟

قبل أن نتهم لجنة «نوبل» وغيرها بتجاهل الأدب العربى، علينا أن نعرف ما المنتج الأدبى الذى نقدمه؟ وأن نجيب عن عدد من الأسئلة البسيطة والبديهية.. منها مثلًا، كم عدد الفائزين بجوائزنا «السخية ماديًا» طوال السنوات الماضية؟ هل يذكرهم أحد؟ ما القيمة الأدبية والإنسانية لما يكتبه أى منهم؟ هل يستحقونها بالفعل؟ وبعيدًا عن الجوائز والمنتديات، كم عدد رسائل الماجستير والدكتوراه التى تناقشها الجامعات المصرية حول أعمال «نكرات» لا يعرف بهم أحد، ولا يقرأ لهم أحد، ولا قيمة لما يسطرون؟

الحقيقة أننا نحن من نحط من قدر مبدعينا، وكتّابنا، وأدبائنا، ثم نتساءل بعد ذلك بمنتهى الجهل والصلف: «لماذا لا يرانا العالم؟»، بينما السؤال الأدق أو الأصح هو: «كيف يرانا العالم ونحن ندوس بأقدامنا على أنفسنا، ولا نظهر لهم إلا أسوأ ما فينا؟».

تلك هى الحقيقة المؤلمة التى يعرفها الجميع ويتغافل عنها الجميع، وإلا فليقل لى أى متابع: كم عدد الأعمال المنشورة للشاعر الكبير سيد حجاب؟ وكم عدد الأعمال المترجمة له؟ هل يقل منجزه عن المطرب الأمريكى بوب ديلان الذى فاز بنوبل ٢٠١٦؟ ولماذا لم يظهر اسمه فى أى ترشيحات طوال حياته؟

لن أتحدث عن الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، فهو من هو، شاء من شاء واختلف حوله من أراد الاختلاف، لكنه يظل واحدًا من أكبر وأهم شعراء مصر الأحياء، أطال الله فى عمره، ولن أتساءل عن الكبيرين بهاء طاهر وصنع الله إبراهيم، فاسماهما أكبر من أى كلام يمكن أن يقال، ولا مجال لمقارنة منجزهما الأدبى والفكرى بمرشح «البروباجندا» العربية أدونيس، لكننى سوف أتساءل عن عدد طبعات كتب الشاعر الفذ محمد محمد الشهاوى.. كم عدد أعماله المترجمة «إن وجدت»؟ كم عدد رسائل الماجستير أو الدكتوراه التى تناولت منجزه؟ وما الجوائز التى فاز بها؟

خلاصة القول إن الأمر ليس بهذه الصورة القاتمة، فعدد من يستحقون الجائزة من الكتّاب العرب والمصريين كثير بالفعل، لكنهم فى الأغلب لا يجيدون «البروباجندا»، لكننا نحن الذين لا نحتفى بهم، ولا نعطيهم حق قدرهم، نحن الذين نعيب «نوبل» والعيب فينا.