رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلوكيات البيئية والتغيرات المُناخية

لفظ "العدالة" لا ينحصر على معنى أو شيء بعينه، ولكن كل شيء في الحياة يتطلب تحقيق العدالة حتى يُؤتي الشيء بثماره، ولا خلاف على أن الماء والهواء، والطبيعة بشتى صورها ملك للجميع، وهبة من المولى عز وجل للإنسان، وأمرنا بالحفاظ عليها، في قوله تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، لأن هناك علاقة مُتبادلة بين الإنسان والبيئة، فبقدر ما تُؤثر البيئة على الإنسان، فإن لهذا الإنسان أثرًا على البيئة. وفي الآونة الأخيرة أصبحت العدالة الاجتماعية التي تسعى الدول بمختلف قطاعاتها لتحقيقها، تحسبًا لتلك التغيرات التي تضرب مناخ العالم بأكمله، وعليه فلم يعد يُمكننا تحقيق العدالة الاجتماعية، دون الوقوف على ركائز العدالة المناخية.

 وقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تاريخي يُعلن عن أن الوصول إلى بيئة نظيفة وصحية مُستدامة يُعتبر حقًا عالميًا من حُقوق الإنسان، وقد وافق على هذا القرار 161 دولة، ولا خلاف على أن هذا القرار سيُغير مجرى الأمور، لأنه سترتب عليه تغيير الكثير من القوانين الدولية لحقوق الإنسان، خاصة أن الحق في البيئة النظيفة ليس حقًا يملكه المواطن ضد حكومته، بينما يملكه الفرد والحكومة والدولة ضد أي جهة أو مُؤسسة تقوم بالإخلال بالنظام البيئي والصحي.

ويجب التنويه إلى أن الإضرار بالبيئة سيُؤثر على كل القطاعات تباعًا، لأنه سوف يتأثر الوضع الاقتصادي للدولة، وستتأثر فئات المجتمع مثل السيدات، والأطفال، وكبار السن، وعمال المحاجر، والبيئة الصحراوية.

وفي الواقع يحدث التغير المُناخي على فترات زمنية مُتباعدة في منطقة معينة، أو ربما على الكرة الأرضية بأكملها، ويكمن السبب في ذلك إلى التغير في درجات الحرارة، وحالات الطقس، ويحدث الاحتباس الحراري الذي يتسبب في حالة تقلب وتغير في المناخ، بحيث يُؤثر ارتفاع درجات الحرارة على المناطق القطبية بسرعة شديدة، فتؤدي إلى ذوبان الصفائح والأنهار الجليدية، فيترتب على ذلك ارتفاع منسوب المياه في البحر، وبالتالي حدوث أضرار بالمنشآت الساحلية نتيجة الفيضانات المُتزايدة، وكل هذا يؤثر بشكل مباشر على الإنسان، وعلى حياته الاجتماعية والاقتصادية، وظروف معيشته، لأن ظاهرة تغير المناخ ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأنماط العالمية، لعدم المساواة بين الدول، حيث كشفت قاعدة بيانات الأحداث الطارئة (EM - DAT)  عن تسجيل البلدان مُنخفضة الدخل خسائر اقتصادية بلغت نسبتها 61% من الناتج المحلي الإجمالي من جراء الكوارث الطبيعية.

وأن أعباء تغير المُناخ غير مُتكافئة داخل الدولة الواحدة، حيث يعيق قدرة الفئات الأفقر، والأكثر هشاشة على تخفيف انعكاسات تغير المُناخ والتكيف معه. 

وتعد مصر من بلدان العالم شديدة التأثر بتغير المُناخ، وتعتبر دلتا النيل في مصر واحدة من أكثر ثلاث نقاط ضعف ساخنة عالميًا، جراء التغيرات المُناخية، مما يترتب عليه العديد من الآثار الصحية، والهوية الثقافية، والأمن الغذائي، والأمن المائي، كما تزداد ظاهرة هجرة البشر بسبب الظواهر المُتعلقة بتغير المُناخ، مثل التصحر، والفيضانات.

وللأسف، يتأثر قطاع الزراعة في مصر بالتغيرات المُناخية، بسبب ندرة الموارد الطبيعية المغذية للنشاط الزراعي، وسبب مُعاناة مصر من تلك التغيرات التي تؤثر في ارتفاع درجات الحرارة، هو موقعها الجغرافي، لأنه يوجد أغلب أراضيها في مساحات صحراوية جافة، وشبه جافة، وعليه يتأثر حجم الإنتاجية الزراعية بدرجات الحرارة، فلقد تراجعت محاصيل الفاكهة والخضار بنسبة تعدت الـ50%، مما عرض المزارعين لخسائر فادحة، وعرض المستهلك لموجة غلاء شديدة.

 وقد اتخذت مصر العديد من السياسات والإجراءات لمواجهة تحدي التغيرات المناخية، وذلك بإنشاء المجلس الوطني للتغيرات المُناخية، بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1912 لسنة 2015م، كجهة وطنية رئيسية معنية بقضية التغيرات المُناخية، كما جاءت الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 كواحدة من أهم قرارات المجلس الوطني للتغيرات المُناخية، لرفع مستوى التنسيق بين كافة الوزارات والجهات المعنية في الدولة لمُجابهة مخاطر وتهديدات التغيرات المُناخية، وسعت مصر كذلك لتطبيق استراتيجيتها المُناخية إلى التعاون مع مُؤسسات التمويل الدولية، وذلك لبحث سبل وآليات التعاون لتطوير سياسات مُكافحة أزمة تغير المُناخ.

ومما لا شك فيه أن الدولة اهتمت بهذا الملف منذ تنبئها بخطورته، إلا أنه لا بد من حملة البرامج التوعوية والمُكثفة للمواطنين، لتحذيرهم وتوعيتهم بخطورة التغيرات المُناخية على حياتهم بكافة وشتى صورها، وأن المناط الأول في ذلك هو أسلوب وسلوكيات تعاملهم مع البيئة، الذي ينتج عنه تدريجيًا التغيرات المُناخية، التي تُؤثر على أمنهم المُناخي، واستقرارهم الاقتصادي، ووضعهم الاجتماعي.