رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التحدي ينتقل من السويس للعقبة

بعد نشر مقال الأسبوع الماضي والذي طرحت فيه بحماس دافعه وطني بحت مقترح الوزير الأردني الأسبق وخبير تخطيط المدن د. حازم قشّوع، والخاص بطرح مساحات من أراضي العاصمة الإدارية للدول الصديقة والشقيقة لمصر لتضع فيها جزءً من روحها بإنشاء مشروع يمثل الصداقة التاريخية بين مصر وكل الدول المشاركة ويعمق تلك الصداقة في المستقبل - تواصل الرجل معي بأدب جم شاكرًا أمانة العرض ودقة المعلومات التي لخصت بها حديثنا قبلها بساعات.
وواصل الرجل حديثه بحماس المفكر العملي الذي لا يكتفي بالتنظير ولكنه يميل لتحويل أفكاره النظرية لواقع عملي يرى نتيجته على الأرض، ما أكد لي أن دراسته ثم توجهه العملي كمعماري أثرتا فيه تأثيرًا بالغًا، ولعل ردود الأفعال التي تلقاها الرجل وتلقيتها بعد نشر المقال هي التي دفعته لأن يبوح لي بالمزيد من الرؤى التي يحلم بها ويخطط لها كمعماري ليس فقط لوطنه الأردن بل لمصر أيضًا والتي صارحني أنها بالنسبة له هي الحاضنة لكل فكرة عربية ولكل أدب ولكل إبداع عربي وهي الحامية للنهج العربي والقيم العربية وأن وجود مصر يعني استمرار الوجود العربي.
هي كلمات قد يراها البعض من قبيل المجاملة، لكنني وبحكم ما خبرت من بشر وتجارب أدعي امتلاكي الخبرة الكافية للحكم على مدى صدق الكلمات وتقدير معانيها، انطلق الوزير الأردني السابق متحدثًا عن حلم جميل يتمنى أن تحققه المملكة استغلالًا لما رزقها به المولى من مقدرات أهمها موقعها الجغرافي، وهو يقترح أن يكون تحقيق هذا الحلم وتحويله إلى واقع بسواعد مصرية من القوات المسلحة.
ولدى الرجل مبرره المنطقي في هذا الطلب إذ يرى أن لجيشنا المصري العربي قدرات واسعة وتاريخ مشرف في حماية الحدود بما يمتلكه من منظومة عسكرية تكفل سلامة الوطن وتؤمّن أراضيه، كما أنه أصبح يمتلك القدرة الهائلة في مجال تأسيس البنية التحتية للمنشآت العملاقة بحجم المدن، علاوة على خبراته في دعم الاقتصاد الوطني المصري.
ويضيف الخبير المعماري العربي الكبير أن الجيش المصري استطاع تشكيل نماذج بنائية في ميادين التنمية المختلفة تمثلت في تشييد المدن الذكية كمدينة العلمين والعاصمة الإدارية، كما أن الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة أصبحت تمتلك خبرات واسعة في شق الطرق ومد الجسور وترسيم الحدود البحرية، ويضرب الرجل مثلًا بقناة السويس الجديدة التي استطاعت مصر الانتهاء من حفرها وافتتاحها في مدة زمنية قياسية لم تتجاوز العام الواحد، وهي المدة الإعجازية التي استوجبت إشادة العالم كله خصوصًا إذا استوعبنا الأرقام المرتبطة بهذا المشروع والمتمثلة في حفر مسافة تمتد 86 كم بعرض 120 مترًا وبعمق أكثر من 100 متر.
ولكل ما سبق فقد آن الأوان - فيما يرى دكتور قشّوع - أن يتم تعميم تلك الخبرات ليستفيد بها كل الأشقاء العرب، أو بالأحرى من يطلب منهم يد العون الفني واللوجيستي من الشقيقة الكبرى من خلال مبدأ الاستفادة المشتركة فيما يعرف بمبدأ "win win situation" وهو مبدأ عادل فرضته الظروف الاقتصادية العالمية، فالقوات المسلحة المصرية باتت تمثل بيت خبرة عالمي في الأداء المهني والهندسي بما تحويه من خبرات معرفية وموارد بشرية مدربة ومنضبطة نفّذت مشاريع غدت تشكل نموذجًا يحتذى على المستوى الإقليمي والدولي.
وبناءً عليه فإن د. قشّوع، يقترح - وقد بدأ بالفعل في اتخاذ خطوات تنسيقية مع بعض الجهات المعتبرة - أن تمتد يد التعاون بين البلدين الشقيقين لشق قناة بحرية من رأس العقبة البحري بامتداد 40 كم شمالاً من الزاوية الشرقية للعقبة، وليس الغربية منها بما يسمح بتوسعة مدينة العقبة في المستقبل، فضلًا على تشكيل شاطئ صناعي بطول 40كم وبمحيط يتجاوز 80 كم في عرض 100 متر وعمق 15 متر في المتوسط ، على أن يشمل المشروع أيضًا محطة تحلية لمياه البحر تقوم على الطاقة الشمسية ويأتي كل هذا كنوع من الشراكة الإستراتيجية بين الجيشين العربيين المصري والأردني وسلطة العقبة.
وقد أخبرني الوزير الأردني الأسبق أن فكرته قد دخلت حيز التخطيط بوضع تصور موضوعي يمكن تقديمه للقيادات، بطريقة علمية مدروسة تراعي كل الأبعاد الطبوغرافية والجيولوجية والاستثمارية، لتنتهي تلك الدراسات إلى وضع رؤية شاملة قابلة للتنفيذ وبتفاؤل كبير اختتم الرجل حديثه معي بقوله: إن هذا المشروع سيكون قادرًا - حال تنفيذه - على إعادة صياغة مستقبل المنطقة بما يحمله من رؤى تنموية وإستراتيجية للدولة الأردنية كما للحوض التنموي في البحر الأحمر، علاوة على ما سيجسده من عمق للعلاقات المصرية الأردنية التي غدت أكثر قوة ومتانة في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني وشقيقه الرئيس عبدالفتاح السيسي.
حلم عربي جديد نتمنى أن يوضع موضع التنفيذ، فبهذا ينتقل التحدي الذي نجحت فيه القوات المسلحة المصرية في السويس - بتوسعة قناتها التي تمثل المجرى الملاحي الأول في العالم - إلى العقبة بالأردن تأكيدًا للعقيدة العربية الراسخة بأن القوات المسلحة المصرية ليست فقط مؤسسة وطنية بل هي مؤسسة قومية تنموية رائدة إقليميًا كذلك.