رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى وفاته.. دور طلعت حرب في تمصير الاقتصاد (التفاصيل الكاملة)

طلعت حرب
طلعت حرب

اقتصادي ومفكر مصري، له دور كبير في تمصير الاقتصاد، إضافة إلى إنجازاته التي لا ينكرها أحد والتي تؤكد أنه اقتصادي من طراز فريد، هذا هو طلعت حرب، الذي لُقب بـ"أبو الاقتصاد المصري"، ويوافق اليوم رحيل طلعت حرب، الذي له دور كبير في تمصير الاقتصاد.

قدّم طلعت حرب في عام 1911، رؤيته الفكرية واجتهاداته النظرية عن كيفية إحداث ثورته الثقافية وذلك من خلال كتابه "علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك للمصريين"، حيث كان طلعت حرب ميالًا بشكل واعٍ للفلاحين والفقراء، وكان الفلاحون يضطرون للاستدانة بشكل ربوي مجحف من بعض المرابين، حيث كانت أسعار القطن عالميًا قد شهدت زيادة، لكنها لم تصب في صالح المزارع المصري البسيط، كما أنه لم يكن هناك نظام مالي يدعمهم فرغم إنشاء البنك المصري والبنك الأهلي، لكنهما كانا مخصصين لتمويل الأجانب فقط، وتسببت ظروف الاستعمار وقتها في استنزاف موارد الاقتصاد المصري لمصالحهم فقط، لذلك بدأ طلعت حرب دعواه عام 1906 من أجل إنشاء نظام مالي مصري خالص لخدمة أبناء الوطن وللسعي أيضًا للتحرر من القيود الاستعمارية الاقتصادية، وقد لقيت دعواه استجابة واسعة.

في عام 1908 استطاع طلعت حرب تأسيس شركة التعاون المالي برأس مال مصري وذلك بهدف تقديم العديد من القروض المالية للشركات الصغيرة المتعسرة ماديًا، وساعده أيضًا عودة الدكتور فؤاد سلطان من الخارج والذي كان يعد أحد أبرز الخبراء الاقتصاديين، وقام بتقديم الدعم الكامل لمساعي طلعت حرب.

وأصدر طلعت حرب بكتابه "علاج مصر الاقتصادي" الذي طرح من خلاله فكرته في ضرورة إنشاء بنك للمصريين لخدمه المشاريع الاقتصادية في مصر والنظر في المشكلات الاجتماعية، تحمس الكثيرون لفكرته بالرغم من معارضة السلطات الإنجليزية، وقرر المجتمعون بالفعل تنفيذ فكرة حرب في إنشاء بنك مصر، لكن هذه الجهود تعطلت بسبب الحرب العالمية الأولى، وعادت فكرة إنشاء البنك عقب قيام ثورة 1919 في مصر.

كانت فكرة إنشاء بنك مصري وطني حلمًا راود الكثيرين منذ أيام محمد علي باشا، فبالرغم من أن محمد علي قبل وفاته أمر بإنشاء بنك برأسمال قدره 700 ألف ريال، لكن مشروع البنك انهار كسائر مشروعات والي مصر لما أصابه المرض بعد أن ضاعت ثمرة حروبه عليه نتيجة التواطؤ الدولي على حصار قوته، ثم عادت فكرة "بنك مصر" إلى الحياة بعد أن دعا إليها "أمين شميل" في مقال له في 26 أبريل 1879 في جريدة "التجارة"، واجتمع على أثر ذلك عدد من أعيان مصر، غير أن الخلاف الذي نشب بين الجمعية الوطنية المصرية التي أنشأها الخديو إسماعيل وبين الخديو والتي وقعت في أعقابه الثورة العرابية أعاق إتمام الفكرة.

بعد ذلك عادت فكرة "بنك مصر" إلى الظهور عندما بدأ "عمر لطفي بك"، عضو الحزب الوطني ووكيل كلية الحقوق، في إلقاء محاضرات في نادي المدارس العليا ابتداءً من اليوم الأول في نوفمبر 1908، عن نظام التعاون والتسليف في ألمانيا وإيطاليا؛ لكن الفكرة عانت من الخلاف بين التيارات التقدمية والرجعية، ولم تنجح الفكرة مجددًا إلا مع مجهودات طلعت حرب الذي بدأ بطرح الفكرة في بعض خطبه، وعقب انعقاد المؤتمر المصري الأول في 29 أبريل عام 1911 انتهز محمد طلعت حرب باشا اجتماع أعيان البلاد وكبرائها وعرضت لجنة المؤتمر فكرة إنشاء بنك مصري وقرر المؤتمر بالإجماع وجوب إنشاء بنك مصري برؤوس أموال مصرية، كما قرر اختيار محمد طلعت حرب باشا للسفر إلى أوروبا لدراسة فكرة إنشاء البنك بعد عمل دراسة كافية عن المصارف الوطنية وأسلوب عملها في الدول الأوربية، فلما صدر كتاب محمد طلعت حرب باشا بعد ذلك، آمن كل مصري بالفكرة التي يدعو إليها وإلى تنفيذها، لكن الحرب العالمية الأولى التي أعلنت في 4 أغسطس سنة 1914 أدت إلى تأجيل فكرة البنك لأكثر من 8 سنوات، وعادت من جديد الدعوة لإنشاء البنك بعد قيام ثورة 1919.

أقنع طلعت حرب مائة وستة وعشرين من المصريين بالاكتتاب لإنشاء البنك، وبلغ ما اكتتبوا به ثمانين ألف جنيه، تمثل عشرين ألف سهم، أي أنهم جعلوا ثمن السهم أربعة جنيهات فقط، وكان أكبر مساهم هو عبدالعظيم المصري بك من أعيان مغاغة الذي اشترى ألف سهم· 

وفي الثلاثاء 13 أبريل سنه 1920 نشرت الوقائع المصرية في الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى "بنك مصر"، كان قد تم قبل ذلك عقد تأسيس الشركة بين ثمانية من المائة والستة والعشرين مساهماً جميعهم مصريون، وحرر بصفة عرفية في 8 مارس سنه 1920- ثم سجل في 3 أبريل- أي بعد أقل من شهر وهؤلاء الثمانية هم: أحمد مدحت يكن باشا، يوسف أصلان قطاوي باشا، محمد طلعت بك، عبد العظيم المصري بك، الدكتور فؤاد سلطان، عبد الحميد السيوفي أفندي، إسكندر مسيحة أفندي، عباس بسيوني الخطيب أفندي.

بعد عامين فقط من إنشاء بنك مصر قام طلعت حرب عام 1922م بإنشاء أول مطبعة مصرية برأس مال قدره خمسة آلاف جنيه وذلك ليدعم الفكر والأدب ويقوي المقاومة الوطنية، ووصل رأس مال المطبعة بعد فترة لأكثر من 50 ألف جنيه.

بعد إنشاء المطبعة، توالت الشركات المصرية التي ينشئها البنك مثل شركة مصر للنقل البري التي قامت بشراء أول حافلات لنقل الركاب، كما قامت الشركة بشراء الشاحنات الكبيرة لنقل البضائع من الموانئ؛ كما أنشأ البنك شركة مصر للنقل النهري ثم شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى واستقدم طلعت حرب خبراء هذه الصناعة من بلجيكا وأرسل بعثات العمال والفنيين للتدريب في الخارج. كما أقام مصنعا لحلج القطن في بني سويف، وأنشأ البنك مخازن "شون" لجمع القطن في كل محافظات مصر.

ساهم طلعت حرب في إنشاء شركة مصر للتمثيل والسينما، وفي عام 1927 أنشأ شركات مصر للنقل والملاحة البحرية، ومصر لأعمال الأسمنت المسلح، ومصر للصباغة، ومصر للمناجم والمحاجر، ومصر لتجارة وتصنيع الزيوت، ومصر للمستحضرات الطبية، ومصر للألبان والتغذية، ومصر للكيمياويات، ومصر للفنادق، ومصر للتأمين، كما أنشأ طلعت حرب شركة بيع المصنوعات المصرية لتنافس الشركات الأجنبية بنزايون – صيدناوي.

وسعى الاقتصادي الوطني طلعت حرب لإنشاء شركة مصرية للطيران إلى أن صدر في 27 مايو 32 مرسوم ملكي بإنشاء شركة مصر للطيران كأول شركة طيران في الشرق الأوسط برأس مال 20 ألف جنيه، وبعد عشرة أشهر زاد رأس المال إلى 75 ألف جنيه، وقد بدأت الشركة بطائرتين من طراز "دراجون موت" ذات المحركين تسع كل منها لثمانية ركاب، وكان أول خط من القاهرة إلى الإسكندرية ثم مرسى مطروح، وكان الخط الثاني من القاهرة إلى أسوان، في عام 1934 بدأ أول خط خارجي للشركة من القاهرة إلى القدس.