رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعليقا على طعن سلمان رشدى.. مثقفون: على مر التاريخ لم ينجح سور فى حصار فكرة

سلمان رشدي
سلمان رشدي

أصاب خبر طعن الروائي البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي في رقبته، الوسط الثقافي المصري بالصدمة، والتي أعادت ذكريات محاولة اغتيال الكاتب نجيب محفوظ بنفس الطريقة ــ الطعن في العنق ــ إلي الأذهان. حول لماذا استولت الأفكار المتشددة علي عقول الناس، بينما تواري دور الأدب والفن؟ وواقعة طعن سلمان رشدي.. الــ “الدستور”، استطلعت آراء المثقفين والكتاب حول الأمر في هذا التحقيق. 

 

بداية قال الدكتور حاتم الجوهري أستاذ النقد الأدبي المنتدب بالجامعات المصرية، والمشرف على المركز العلمي للترجمة بهيئة الكتاب: محاولة اغتيال نجيب محفوظ كانت في التسعينيات والتي شهدت موجة الإرهاب والتطرف الشهيرة في مصر، وشملت العديد من الأحداث الصادمة في حينه، كانت الأزمة الاقتصادية وانسحاب الثقافة الجادة تربة خصبة لتمدد الجماعات الإرهابية في مدن الدلتا والصعيد وبعض أحياء القاهرة الشعبية.

 

وتابع “الجوهري” في تصريحات خاصة لــ الدستور: يتمدد الجهل والإرهاب والتطرف، حينما يختفي التدين الوسطي وحاضنته الشعبية المرتبطة بقيم الجماعة المصرية ومستودع هويتها، يتمدد حينما يتم تهميش حصة الموسيقى والألعاب والمسرح وتختفي المكتبات المدرسية، وتضيع القدوة من الدراما والفنون، ويتم النظر لأحاسيس الإنسان وبنيانه الروحي على أنها رفاهية وكمالية، هنا يدفع المجتمع الفاتورة حتى تحدث عملية التصحيح الحضاري.

 

الأدب والفنون هما جزء من التربية جزء من التكوين، وحملت التسعينيات صدمة واسعة في الأدب والفنون ساهمت أيضا في تمدد التطرف والإرهاب، حيث ظهرت في الأدب نظريات ما بعد الحداثة عن جماليات القبح وقصيدة النثر والثقافة النخبوية في المؤتمرات والقاعات المغلقة وكتابة الذات، والفن تم اختراقه بأفلام المقاولات والمخدرات والمدبح.

 

واختتم “الجوهري” موضحا: الفن والأدب هما أداة يمكن للمجتمع أن يشحنهما بحمولة ثقافية موجبة أو حمولة ثقافية سالبة، في التسعينيات أدت الأوضاع الاقتصادية وانسحاب الثقافة الجادة لصعود التطرف الديني واستقطاب المهمشين اجتماعيا له، وشحنهم ضد كتابات نجيب محفوظ بحجة تأويلها تأويلا أحاديا تكفيريا، رغم أنها كتابة روائية تحتمل التعدد في التأويل ويمكن لمن لديه وجهة نظر مغايرة أن يرد عليها بالطريقة التي يراها دون عنف، لكن السياق العام كان سالبا ولم يمنح الفن والأدب الدور الحقيقي المنوط بهما تقديمه، وما أشبه الليلة بالبارحة.

 

ــ علي مر التاريخ لم ينجح سور في حصار فكرة 
وبدوره قال الكاتب المسرحي الشاعر ميسرة صلاح الدين: الحقيقة أن رجال العلم والفن والثقافة علي مر التاريخ يدفعون ثمن أفكارهم غاليا. فالعلماء والفلاسفة والفنانون دائما ما يحاصرون ويضطهدون وتهشم رؤسهم تحت سنابك خيول الرجعية والتشدد.وتصلب أجسادهم فوق منابر الجمود وتبلد الرأي.

 

لكن الأفكار لها شأن آخر، فعلي مر التاريخ لم ينجح سور في حصار فكرة ولم ينجح خنجر في ذبح رأي حر ولم تنجح محرقة في إعدام رؤية طازجة.

 

يدفع الفنانين والعلماء ثمن رؤاهم من حياتهم و أرواحهم بسرور فتعيش الأفكار وتنطلق الإبداعات مخترقة المكان والزمان.

 

لعله من غير الصائب الحكم علي حادث الطعن الخاص بالكاتب سليمان رشدي لأننا في فترة مليئه بالتوترات العالمية واللأعيب المسؤول عنها جهات دولية متعددة وخصوصا إن روايته المثيرة للجدل قد صدرت 1988 و هدأت الأمور بالنسبة له لقترة طويلة.

 

ولكن سواء كان الكاتب الكبير ضحية للتشدد وجمود الفكر كما يبدو من الوهلة الأولي أو ضحية لمؤامرة أشد تعقيدا وسط أجواء عالمية ملتهبة وملتبسة. فالظاهر من الأمر ان الفنان والمبدع هو الضحية التي يتجرأ الجميع عليها لتخقيق أغراضهم الخفية أو فرض أرائهم المتشددة.

 

ــ حان الوقت لأن ندرك أن الاهتمام بالفنون والآداب ليست مسائل كمالية

وبدوره قال الروائي الدبلوماسي محمد توفيق: هذا الخبر المؤسف يذكرنا بأن الفكر المتطرف لا يزال حاضرا ومؤثرا، وهو فكر أحادي بالضرورة، يرى العنف وسيلة مقبولة لمواجهة الفكر، بل يعجز عن مواجهة الفكر بغيره. وهو مرتبط بضيق الأفق وتسطيح الثقافة، استفاد مروجوه من وسائل الاتصال الحديثة وقدرة منصات التواصل الاجتماعي على الترويج للأفكار مهما كانت مسمومة، كما استغل مشاعر الاغتراب والاحباط لدى الأجيال الشابة في كل مكان، واحتياج الكثيرين للانتماء لأي جماعة أو منظومة فكرية للتغلب على فقدان الهوية، وانتقى مروجو التطرف الشخصيات المضطربة أو المهتزة، نتيجة لضعف المؤسسات الثقافية وعجز المنتج الأدبي والفني عن النفاذ للجميع، ولتراجع التفكير النقدي الذي ينتج عن العملية التعليمية الناجحة. وحان الوقت لأن ندرك أن الاهتمام بالفنون والآداب وتشجيع التفكير النقدي والحوار ليست مسائل كمالية بل ان الاحتياج إليها أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، وان التطرف ليس حكرا على مجتمع بعينه أو ثقافة دون غيرها.

 

ــ دائما الضحية مُبْدِع تهمته التفكير والمُعْتَدِي، غاشم سلاحه الجهل!

ومن جانبه قال الروائي تامر شيخون: عند سماع أخبار الاعتداء على سلمان رشدي، استرجعت مشهد الطعنة الغاشمة لعمنا نجيب و من قبله طلقات الغدر في جسد فرج فودة الطاهر. دائما الضحية مُبْدِع تهمته التفكير و المُعْتَدِي، غاشم سلاحه الجهل!

وأوضح “شيخون”: العالم ينتحر في وحل من العنف راوفده: فكر اقصائي فاشي مُتَجَذِّر، منتشر بين تيارات يمينية دينية أو قومية مهووسة بنحر عدوها "الآخر" من أجل السماء أو الوطن!

 دعم القيادات السياسية المستمر لتلك التيارات حسب أجندتها في كل منطقة مباشرةً عن طريق تدريب و تسليح كوادرها الإرهابية أو بأسلوب غير مباشر من خلال بروباجندا إعلامية موجهة لنشر العنف و تغذية مشاعر الخوف من الآخر.

 صعود اليمين السياسي في الغرب من أمريكا حتى أوروبا، متكئا على تصدير عقدة الخوف من الآخر. هيمنة السوشيال ميديا على الأجيال الجديدة، أنعشت ثقافة تبعية "الترند" الفكري وأيقونات ذلك العالم الافتراضي من "المؤثرين الجُدُد" بغض النظر عن خبراتهم الحقيقية أو كفاءتهم أو صدق نواياهم على حساب القراءة المتأملة، المتأنية و البحث عن المعرفة الحقيقية.

كي تنكسر حلقة العنف، لا بد أن تتوقف القيادات الكبرى عن استمراء لعبة الكراهية. الحل في دعم الدول لبيئة رحبة تحتضن الإبداع. الحل في تحقيق العدالة صدقا، داخليا و في الأزمات الدولية. هكذا يختنق الإرهاب و يبهت العنف.

 

ــ  قوى اليمين المتطرف تستغل القضية لتسجيل نقاط سياسية في الراهنية

ومن جانبه قال الشاعر وليد الخشاب: أول ما خطر ببالي عندما قرأت خبر تعرض الكاتب الكبير سلمان رشدي لطعنات بالرقبة أن المشهد يحاكي محاولة اغتيال نجيب محفوظ. والتشابه بين الحادثين معقد، فمحاولة اغتيال محفوظ مثلها مثل محاولة اغتيال رشدي وقعتا بعد عقود من صدور عمل روائي بقلم كلٍ منهما، أثار حفيظة المسلمين المحافظين. تعرض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال بعد حوالي 35 عاما من نشر رواية "أولاد حارتنا"، وتعرض سلمان رشدي لمحاولة اغتيال بعد حوالي 34 عاما من نشر رواية "آيات شيطانية". في الحالين، كانت قضية الرواية التي تعرض الكاتب بسببها للتكفير قد نسيت وطواها الزمن، لكن قوى اليمين المتطرف تستغل القضية لتسجيل نقاط سياسية في الراهنية. وقتما تعرض محفوظ لمحاولة اغتيال في منتصف التسعينات، كان ذلك في إطار الصراع الدموي بين جماعات اليمين المتطرف والدولة، حيث وقعت محاولات اغتيال لسياسيين وتفجيرات ضد السياح واغتيال لبعض رموز الفكر. اليوم تأتي محاولة اغتيال سلمان رشدي بعد أيام من اغتيال أمريكا لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وكأننا في سجال بين أمريكا كإمبراطورية كوكبية واليمين المتطرف بوصفه إرهابا معولما مضاداً. ويقع الإبداع ضحية بين الطرفين.

 

وقالت الروائية اللبنانية مريم هرموش: لأن الأفكار المتشددة ترسخت في الأذهان ولا يوجد من يصححها، لا يوجد فكر تنويري ورجال الدين وكأنهم يتحدثون إلى أنفسهم دون أن تصل أصواتهم إلى العالم. المعرفة والوعي هما بداية الطريق للوعي والتنوير. وهناك نموذج أتمنى لو يعمم في عالمنا المعاصر وهو الدكتور عدنان إبراهيم هذا الرجل هو ما نحتاجه في هذا العصر قبل أن نغرق اكثر في مستنقعات جهل الفتاوى.

 

ــ افتقاد قيمة التسامح

ومن ناحيته قال الكاتب عبد الله السلايمة: الحقيقية هناك الكثير ما يمكن قوله في هذا الشأن.. وخاض فيه الكثيرون من قبل. وللوقوف على أسباب أية إشكالية لابد من العودة لجذور هذه الإشكالية.. وإذا عدنا لجذور إشكالية التشدد سنجد أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى وجودها منها: تفشي الأمية.. وهناك أسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية

وأجزم أن المتسبب في وجود هذه الأسباب سياسات الأنظمة العربية والإسلامية التي تعادي جميعها الثقافة التي تعتبر السلاح الأول والاقوى لمحاربة التطرف والتشدد.. هذا العداء غير المبرر فتح الأبواب لنشر أفكار الإسلام الراديكالي المسمومة في رؤوس الأميين الفارغة فضلا عن العنف بدأ يسود العالم والذي يحدث الآن على الساحة العالمية يؤكد ذلك.

إلى جانب افتقاد قيمة التسامح لذا لا غرابة في أن يتوارى الأدب في ظل كل هذا العنف وسياسات الأنظمة العربية والإسلامية المتعمددة في تجهيل شعوبها فالجهل لا ينتج عنه سوى الشر، والشر هو الذي يقود إلى العنف مثل الذي تعرض له اديبنا الكبير المرحوم نجيب محفوظ بسبب رواية أولاد حارتنا وكذلك سلمان رشدي بسبب روايته آيات شيطانية ولن تغلق أبواب التشدد والتطرف الا إذا أدركت الأنظمة أهمية أمرين واحيتهما على الفور.. وهما الاهتمام بالتعليم.. ومنح الشعوب مساحة أكبر من الحرية.

 

ــ تراجع صوت العلم والخطاب التنويري

بينما قالت الكاتبة شيماء أحمد: يمكن أن نرجع سيطرة الأفكار المتشددة على عقول الناس في مقابل تواري الأدب والفن، إلى الوعي الجمعي السائد في المجتمع الذي يتأثر بشكل كبير بالتدين المظهري ويصدر الأحكام المطلقة وفقا لهذه الرؤية السطحية، في مقابل تراجع صوت العلم والخطاب التنويري ولا أعني الخطاب التنويري الديني فقط بل الثقافي أيضا فمع الأسف تراجع الدور الثقافي وتم تشكيله بالشكل الذي يتلائم مع الوعي الجمعي وأصبح تحت رحمة الأحكام التي تُفرغه من دوره الأساسي وهو خلق وعي مستنير ليصبح بوقا هشاً لما يريد المجتمع أن يراه ويسمعه، وهكذا كانت النتيجة الطبيعية تراجع دور الفن والأدب وسيطرة الافكار المتشددة على المشهد.

 

 وبدوره قال الروائي محسن الغمري: هناك ارتباك شديد في المشهد العام، حالة التهاب شديدة على جميع المستويات الدولية والمحلية، العالم يغلي وعلى شفى الانفجار فالإنهيار. جائحة وبائية، ثم حرب روسية، ووضع على حافة الاشتعال في تايوان، هناك توتر مجتمعي أيضا، وبعض الأنظمة لها معتقاداتها وأدابياتها المختلفة، تضغط على مجتمعات مغايرة لها، تريدها أن تسلك سلوكها حتى وإن كان ضد كل قيمها المجتمعية، وتلوح لها بعصا العقوبات الاقتصادية إن لم تنصاع لها، ولنا فيما يحدث في بعض بلدان المنطقة من قبولهم لأخلاقيات تتضاد مع أخلاقيات مجتمعاتهم، واضطرارهم للاعتراف بحقوق جماعات نرفضها وننكرها ! كل ما تقدم يدفع إلى التطرف كرد فعل طبيعي لما يدور حولنا أو يحاك لنا.

 

 ــ العنف دائرة جهنمية لا تنتهي

بينما يري الروائي حسام المقدم أن: الملاحظ أن الطعن في الحالتين.. محفوظ ورشدي.. كان في الرقبة، أي بهدف القتل مباشرة. لكن من هو الجاني؟ هل ينتمي إلى التطرف؟ طاعن نجيب محفوظ لم يقرأ شيئا له، وهذا ربما يكون غالبا على حالة طاعن رشدي.

 إذا كنت ترفض كتابة وفكر شخص ما أكتب وناقش ورد على ما قرأته، لكن العنف مرفوض قطعا في كل الأحوال لأنه دائرة جهنمية لا تنتهي.. خصوصا في منطقتنا البائسة المبتلاة بالنزاعات وخروج وتشرد أبنائها. هناك أيضا مسلسل توالد التنظيمات المتشددة المدعومة من دول كبرى، بعد ذلك لا يمكن الكلام عن أدب أو فن في وجود حرب أو تشدد أو عنف.