رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسن طلب: مؤلفات عبدالرحمن بدوي الأخيرة ذاتية.. وسيرته ليست موضوعية (حوار)

حسن طلب
حسن طلب

"لأول مرة نشاهد فيلسوفا مصريا، الدكتور عبد الرحمن بدوي بلا منازع رائد للفلسفة العربية والإسلامية في القرن العشرين"،هكذا وصفه الدكتور طه حسين أثناء مناقشته لرسالة دكتوراه  بعنوان "الزمان الوجودي" عام 1943.

عُين "بدوي" معيدًا في قسم الفلسفة بجامعة القاهرة عام 1938، وحصل على الماجستير عام 1941 وظل رئيسا لقسم الفلسفة بجامعة عين شمس لمدة عشرين عاما وعُين مستشارا ثقافيا لمصر في سويسرا، واعتقل في ليبيا لأنه حاول أن يتحدث مع تلاميذه عن الديموقراطية وانتقل إلى الكويت ومنها إلى طهران. 

قدم "بدوي" دراسات عن الفلاسفة سقراط ونيتشه وأفلاطون وهيجل وكانت وسارتر وجوتة ولوركا، كما قدم فلاسفة الإسلام، فكتب عن ابن رشد وابن سينا والغزالي والفارابي وابن خلدون وابن عربي. وكتب عن التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، وصدر له كتب، تاريخ الإلحاد في الإسلام، والفلسفة المعاصرة في فرنسا، ودراسات في الوجودية، والمثالية الإلمانية، والإنسان الكامل في الإسلام، ودفاعا عن القرآن، وموسوعة الفلسفة، كما ترجم الشعر، إذ كان يجيد ثماني لغات، منها الفرنسية والإنجليزية والأسبانية والألمانية والإيطالية واليونانية واللاتينية. 

وبجانب إسهامات عبد الرحمن بدوي صدرت مذكراته "سيرة حياتي" في جزأين حققت جدلًا واسعًا لهجومه وانتقاده الذي كان مبالغا في معظمه، إذ وصف "العقاد" بأنه "محدود القيمة، لم يكمل تعليمه"، ووصف كتابات الدكتور نجيب محمود بأنها لا ترقى لمستوى الطالب المدرسي. 

أوضح الدكتور حسن طلب لـ "الدستور" أن إسهام الدكتور عبد الرحمن في تقديم بعض الفلاسفة لأول مرة للقارئ العربي لا يمكن إنكاره ولابد من الإشادة به على الرغم من وجود بعض المآخذ التي قد نختلف معه فيها بخصوص رأيه في بعض هؤلاء الفلاسفة، مضيفًا: "قدم بعض الفلاسفة لأول مرة مثل نيتشه، وشوبنهاور، وأعمال من الفلسفة اليونانية أفلاطون وأرسطو، لكن أظن أن دوره في تقديم القضايا الفسلفية من الممكن أن يكون أكبر من دوره في تقديم هؤلاء الفلاسفة، لأنه مثلا كتب كتابا عن نيتشه وفؤاد زكريا كتب كتابا عن نيتشه بعد ذلك، نستطيع أن نلمس الفارق بين المنهجين، منهج من يريد أن يجمع أكبر قدر من المعلومات حول نيشته ومنهج صاحب الرؤية لفؤاد زكريا الذي يحاكم نيتشه من خلال رؤية، يعني تحاول تنفذ إلى قلب نيتشه".

وأشار أستاذ الفلسفة بجامعة حلون،  إلى أن عبد الرحمن بدوي له دور أكبر أيضًا في ترجماته العديدة للمستشرقين الذين تحدثوا عن الحضارة الإسلامية وأعلام الحضارة الإسلامية وقضاياها وعن بعض المتصوفة أيضًا أصحاب الفكر الإسلامي منها "شخصيات قلقة في الإسلام" و دراسات عن الحضارة الإسلامية وكتابات المستشرقين حولها. وتابع: "أنا أرى أن هذه الكتابات أيضًا أهم من الكتابات التي قدم فيها عبد الرحمن بدوي نيتشه وشوربنهاور غيرهم".

ويرى "طلب" ضرورة إعادة النظر لكتابات الدكتور عبد الرحمن بدوي بشئ من الإنصاف والموضوعية حتى يتأكد دوره في نهضة الفكر الفلسفي المعاصر وقيامه، خاصة أنه انتبه لـ "النفري" ومتصوف آخر كان يحاكي النفري ابن قضيب البان، يضيف: "لم ينتبه لهذا من المهتمين بالأدب لم يتوقف أحد عن المقارنة بني مواقف النفري والبان، عبد الرحمن بدوي حقق في ذلك، لذلك التحقيق والترجمة لبدوي أنا اعتبرهم البذرة الأولى لتفح الآفاق أمام الفلاسفة ذلك". 

ويلفت، إلى أنه ليس مع ما فعله الدكتور عبد الرحمن بدوي في المرحلة الأخيرة من حياته التي تشمل مذكراته "سيرة من حياتي"، وكتبه التي ألفها دفاعا عن الإسلام، مضيفًا: "كانت كتبه في دفاعه عن الإسلام تتضمن شعورا بالحماس والذاتية أكثر من اللازم بالإضافة إلى أنا دفاع غير موضوعي، خاصة في رودوده عن المستشرقين الذين تكلموا عن الإسلام، هذه الكتابات لا يمكن تؤخذ بهذه الحماسة وهذا الإيمان الذي يواجه قضايا عقلية، فلا يمكن أن نواجه قضايا عقلية بنزعية إيمانية، فهي تواجه بمنطق آخر، أنا رأيته في كتبه الأخيرة بهذه الحماسة وهذه الأحكام الذاتية، مثلا في كتابه دفاعا عن القرآن يتضمن آراء حماسة بعيدة عن المنطق، فهذا كتاب أتوقعه من داعية مثلا، لا أتوقعه من فليسوف، ولذلك، نحن نسطيع الدفاع عن الإسلام، لكن ما انتظره من الفيلسوف لا انتظره من الداعية أو من المؤمن الحر الذي يمكن أن يعبر عن عاطفته كما يشاء". 

ويشرح "طلب" أن الكتب التي صدرت في المرحلة الأخيرة في حياة "بدوي" تضمنت ذاتية وعاطفة بما فيها مذكراته، فقد انتقد "العقاد" رغم أنه كان من أكبر رواد صالونه الثقافي، هل اكتشف عبد الرحمن بدوي انتقاداته هذه بعد وفاة عباس العقاد؟، يواصل: "إذن المسألة هنا ليس في تغير نظرته للعقاد بل تغير المرحلة التي كان يعيشها فقد انتقل لمرحلة سادت فيها الذاتية وسادت فيها الأحكام العاطفية على الأحكام العقلية، فكان من الممكن أن ينتقد العقاد، لكن ليس بهذا الشكل، وبعدين انتقد العقاد في أشياء لا يمكن انتقاده فيها، يعني انتقد العقاد بأنه لم يكمل تعليمه، كتر خير الدنيا أنه لم يكمل تعليمه وعمل الضجة دي كلها، فهذه أحكام ذاتية عامة". 

انتقد "بدوي"  في مذكراته "سيرة حياتي" الكتاب عباس العقاد بأنه "كاتب محدود القيمة"، عن ذلك يقول "طلب": " هذا الانتقاد يؤكد على أنه يتكلم بمنطق ذاتي، وكأنه عمل معيار للقيمة وعمل حدود لها، واكتشف أن العقاد خارج هذه الحدود". 

في حواره مع فاروق جويدة المنشور بجريدة "الأهرام" 23 إبريل عام 2000، قال عبد الرحمن بدوي عن تلامتذه أنهم "أسوأ من رأي وأسوأ من عرف"، لكن الدكتور حسن طلب يجزم في حديثه لـ "الدستور"، أن الدكتور عبد الرحمن بدوي لم يكن له تلامذة بالمعنى الأكاديمي إلا الدكتور محمود رجب واستقل عن "بدوي" أيضًا، وصدر له كتب مهمة منها "الاغتراب"، و "الميتافيزيقا" فهي من الكتب التي اتهمت هايدجر كام ينبغي أن يفهم أيضًا. 

وانتقد "بدوي" كتابات الدكتور زكي نجيب محمود ووصفها بأنها لا تزيد عن مستوى طالب في المرحلة الإعدادية، وهو ما ينكره الدكتور حسن طلب، مشيرًا إلى أن الدكتور نجيب زكي محمود نشأ نشأة عقادية (من أنصار عباس العقاد) وكان صاحب أسلوب ولم يكتفي بالأدب الذي قرأه من خلال العقاد، بل كان له أفق فلسفي وظفه لخدمة قضاياه، فيكفي قراءة مقالاته التي تشكف عن خياله المبدع وأفكاره الفلسفية، يضيف: "لذلك أنا أسميه أديب الفلاسفة، لأنه صاحب أسلوب وتحدث عن الشعر كما تحدث عن الفلسفة، حتى لو اختلفنا معه، كما تحدث عن شعر صلاح عبد الصبور، انتقد ديوان النثر، لما يكتب عنه ويقول ما هكذا الناس في بلادي، هذا لا يكتبه إلا شخص يفهم الشعر جيدا وإن اختلفت معه".

ويرى "طلب" أن الدكتور عبد الرحمن بدوي كان يكتفي بترجمة الشعر فقط، أما زكي نجيب محفوظ كان له رؤيته الخاصة، ومزج الأدب بالفلسفة وتبنى مذهب المنطقية الوضعية. 

ويؤكد "طلب" أننا نفتقد لوجود فلاسفة في السنوات الأخيرة في ظل التدهور الذي تشهده أقسام الفلسفة في غالبية جامعات مصر "لا طايلين عبد الرحمن بدوي ولا فؤاد ذكريا الذي نشرت عنه كتابا بعنوان، هكذا تكلم فؤاد زكريا، وقولت هذه كتبه، ونشرت مقاله الذي هاجم فيه الشعراوي ومقاله الذي هاجم فيه محمد حسنين هيكل، ويقول له فيه، كم عمر الغضب، مين يقدر يقول لهيكل كده؟، بعد ما صدر لهيكل كتاب خريف الغضب، قاله تعالي هنا، إن السادات سجنك، وهكذا، وكان جريئا، كما انتقد الشعراوي الذي كان مقدسا، جمعت أنا هذا في الكتاب، ويستحق أن تنشر كتبه". 

واختتم: "الثقافة تشهد انحدار، ونادرًا ما نجد شيئا له قيمة، والأكاديميين مشغولين بالترقي في الجامعات، والكتب التي تُنشر جميعها متشابهة ولا تضيف شيئا، والأقسام الأكاديمية في الجامعات هكذا، وجميعنا يعيش أزمة حتى القارئ الذي افتقد للبوصلة التي ترشده لشئ ذو قيمة، كما اختفى النقاد وتخلوا عن دورهم".