رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذكرى سقوط حصن بابليون.. هكذا قاد سخط المصريين على الرومان إلى فتح مصر

حصن بابليون
حصن بابليون

يتزامن اليوم  مع ذكرى سقوط حصن بابليون، بعد حصار دام ما يقرب من السبعة أشهر، في يد عمرو بن العاص ودخوله مصر، حيث إنه في مثل هذا اليوم وبالتحديد في 16 أبريل من عام 641، لتتحول مصر إلى الإسلام وتغير لغتها إلى اللغة العربية.

 

ويذكر المستشرق الإنجليزي ستانلي لين بول، في كتابه "تاريخ مصر في العصور الوسطي"، أن الخليفة عمر بن الخطاب أذعن على مضض لمزاعم القائد عمرو بن العاص، لكنه اشترط عليه إن وصله خطاب استدعاء قبل دخوله أرض مصر، فعلي الجيش العودة فورا إلي المدينة، وتم إرسال هذا الخطاب، إلا أن عمرو احتال لعبور الحدود قبل فتحه، وهكذا أبطل غاية الخطاب. زار عمرو بن العاص الإسكندرية في شبابه، ولم ينس أبدا ثراءها. 

 

كان جيش الفتح يتكون من ثلاثة آلاف وخمسمائة أو أربعة آلاف رجل، لكن سرعان ما تم تعزيزه بمجموعة ثانية من أربعة آلاف، وكان أغلب الجيش من الفرسان المسلحين بالرماح والسيوف والأقواس، وكانت أول مقاومة تقابل المسلمين الفاتحين في مدينة “الفرما”، حيث صمدت الحامية الرومانية شهرا، قبل أن يحرز المسلمون نصرا جزئيا من خلال مساعدة الأقباط أو المصريين الأصليين، الذين كانوا تواقين للتحرر بأية طريقة من قمع الإمبراطورية الشرقية. وقد أسس الانشقاق الذي بدأ في عام ٤٥١م عداء حادا بين الكنيسة الوطنية “اليعقوبية” في مصر وبين الكنيسة الرسمية الخلقدونية والتي دعمها أباطرة القسطنطينية، وأدي اضطهاد الملكانيين لليعاقبة ــ الذين شكلوا القسم الأعظم من المصريين ــ إلي القضاء علي أي أثر من ولاء قد يحتفظ به أي قبطي نحو السيادة البيزنطية.  

 

ــ هكذا قاد سخط المصريين علي الرومان لفتح مصر

ويلفت ستانلي لين بول إلى أن: أسهم السخط الذي عم أرجاء البلاد في الانتصار السهل الذي أحرزه العرب، حيث كانت أول ردود الفعل لاستيلاء العرب علي مدينة الفرما، بأن قام البطريرك الذي كان يدعوه العرب “أبو ميامن” بنصيحة الأقباط بدعم الغزاة.

 

وصمد الرومان في بلبيس، حيث قضي شهر آخر في الحصار، وبعد سقوط بلبيس، اضطر عمرو بن العاص أن يعاود محاربة الروم في أم دنين، وهي قرية قريبة من حي عابدين الحالي بالقاهرة، حيث انتصر المسلمون مرة أخري، ولقد تم بالفعل إرسال مدد عسكري آخر، وصل بعدد الجيش إلي ما يقرب من اثني عشر ألف رجل. جزء من ذلك الجيش كان علي الضفة الغربية من النيل، متقدما عند أسيوط والبهنسا، ومحاولا الاختراق إلي الفيوم، حيث كان يقاومه “ثيودوسيوس” حاكم الفيوم، ويوحنا القائد العسكري لماروس، لكن كتلة الجيش الرئيسية كانت علي الضفة الشرقية، متمركزة بجوار مدينة مصر أو “بابليون المصرية”و وهي امتداد لشمال ممفيس العتيقة. 

 

كانت المدينة محمية بجيش رومي ضخم، فضلا عن حراستها بحصن قوي أعيد بناؤه بواسطة “توربو” عام ١١٦م، مازالت بقاياه قائمة تحت اسم “قصر الشمع”. هكذا قسم عمرو بن العاص قواته إلي ثلاثة فيالق وضع إحداها شمالي بابليون، والثانية تمركزت في “تنونديس” وهي علي ما يبدو ضاحية محصنة علي الضفة الغربية جنوب غرب بابليون، و الثالثة ارتدت شمالا إلي هليوبوليس ــ عين شمس ــ أملا في إغراء الروم للخروج من حصونهم فيطبق عليها الفيلقان الآخران من المؤخرة. 

 

وبالفعل نجحت المناورة، إذ خرج الروم من حصونهم وأخذوا يهاجمون المسلمين في عين شمس، في حين أطبقت على مؤخرتهم قوات عمرو بن العاص فتم دحرهم، ومن ثم اضطروا إلى الفرار نحو النيل، حيث استقلوا قواربهم فرارا عبر مجرى النهر.  

  

ــ هل حاصر عمرو ابن العاص حصن بابليون بالفعل؟

ويضيف ستانلي لين بول: “عند ذلك احتل المسلمون تنونديس مكان حاميتها التي هلكت في المعركة، فيما عدا ثلاثمائة رجل أغلقوا أبواب الحصن من دونهم وانسحبوا بالقوارب إلى “نقيوس”. وكان أهم توابع احتلال تنونديس: الاستيلاء على كامل مدينة مصر فيما بعد عدا الحصن، الذي تمت محاصرته تبعا لرواية “يوحنا النقيوسي” ــ الذي يعتبر من المصادر المعاصرة تقريبا للحدث ــ إذ أنه لا يذكر حصارا أو غزوا آخر لمدينة مصر، لكنه يذكر فحسب إخضاع الحصن في وقت لاحق”. 

ويشدد ستانلي لين بول علي أنه: كانت هزيمة الروم في عين شمس ساحقة لدرجة أن مصر لم تسقط وحدها في أيدي المسلمين، وهي المدينة الرئيسية في تلك المنطقة، وإنما سقط ما بعدها حتي الفيوم بعدما فر الجيش البيزنطي من المدن الرئيسية حتي مصر الوسطي وأسرعوا نزولا مع النيل إلي “نقيوس”، وعندها سارع العرب بالاستيلاء علي مدينة الفيوم وأسيوط، وأخيرا البهنسا، في مجزرة عظيمة.