رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمعيات خيرية لتعذيب المواطنين!

جميل مسمى الجمعيات الخيرية، دال على الخير في الصميم طبعًا، والخير مرغوب باستمرار، لا سيما في الأوقات العسيرة التي تكون الأوضاع الاقتصادية فيها متردية، كما هو الحال الآن في بلادنا ومعظم بلاد العالم، وفي مواسم كرمضان، يقبل الناس إقبالًا هائلًا على هذه الجمعيات؛ فمتطلبات الشهر الطيب الكريم كثيرة، وحتى لو كانت كثرتها لا توافق زهدًا يليق بالصائمين، إلا أن الحكاية تجري على العادات المصرية الراسخة التي تعتبر الأطعمة والأشربة، في صيغة الزيادة، نوعًا من أنواع الاحتفاء بالشهر الطيب وصورة من صور مجاراة كرمه.. 
لا أدري أنا ما هو قانون الجمعيات الخيرية، أعني القانون المنظم لعملية تأسيسها وإشهارها، ولا أدري ما مدى إشراف وزارة الشئون الاجتماعية عليها، فهي الوزارة التي تتبعها هذه الجمعيات، ولا أدري شيئًا عن أصحابها ولا مصادر تمويلها، ولا حجم الرقابة على سلعها وتعاملها مع المواطنين الذين يسدون الشوارع سدًا، في المناسبات بالذات، لكي يحصلوا من خلالها على ما لا يستطيعون شراءه من الأسواق، كل ما أعرفه أنها أماكن شديدة الحيوية، وعملها حساس، لأنها تعامل الفقراء مباشرة، وهم القطاع الأكبر شعبيا، وتعاملهم في المعيشة أي ما تقوم به الحياة.. وأعرف أن مجموعة من هذه الجمعيات لا تحسن معاملة المواطنين، ولا تفي باحتياجاتهم، ومن هنا تتولد مشكلات وتحدث معارك صغيرة وكبيرة، ولعل الأخطر أن تنعدم الثقة بين الناس وبين هذه المنافذ المفترض ودها ورأفتها، وانعدامها يعني حقدًا على المسئولين اللاهين عما يجري فيها، وكذلك على الأغنياء الذين حمتهم أموالهم الوافرة من الوقوف على أبوابها كالأذلاء، منتظرين المعونة!
أسكن في عمارة تحتها جمعية خيرية، في منطقة من مناطق القاهرة، ومن بواكير الصباح إلى نهاية اليوم، لا أرى إلا زحامًا رهيبًا وتدافعًا مهينًا، ولا أسمع إلا صياحًا يائسًا وشتائم فظيعة، ولا أتوقع إلا مصيبة بعد مصيبة.. وفي ذاكرتي أن كارهين لهذا البلد دأبوا على استغلال أمثال هذه الأماكن المجانية للسيطرة على السواد الأعظم بالمواد التموينية التي لا غنى عنها لبيت من البيوت.. ليست تجربة الإخوان المسلمين ببعيد، وقد أكون مؤمنا بأن بعضهم لا يزال يدير هذه الأماكن، ويحاول أن يستثمر وجوده فيها، إلى أبعد حد، ويكيد بها للدولة التي كفر
بمؤسساتها، منذ كشفت عن فشله السياسي البالغ وفضحت أهدافه الاجتماعية المريبة وأقصته عن الحكم!
لا بأس بالجمعيات الخيرية في كل الأحوال؛ فكم هي نبيلة القصد وعظيمة الفائدة، إلا أنها يجب أن تخضع خضوعًا تامًا لإشراف حكومي أمين ورقابة حكومية صارمة، بالصورة الإنسانية المناسبة لمهمتها، لا أن تُتْرَك للموظفين الذين وجدوا أنفسهم فيها، ربما بلا مؤهلات للأمر، ولا حتى للناس الذين يحيطون بها، مضطرين؛ فقد لا يكونون مقدرين جهدها، ولكن يريدون عطاياها وحسب!