رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرصة لا تعوض.. ساعة يد براند بسعر رخيص للغاية

أليس شيئا مبهجا أن تتنازل إحدى ماركات الساعات الشهيرة والغالية الثمن جدا عن عليائها وطبقتها المخملية، وتقوم بإطلاق ساعة يد بسعر رخيص وبنفس جودتها المعروفة، لتنشر السعادة في أرجاء العالم ويبات الناس أمام محلاتها في كل الدول ليحظوا بهذه الفرصة المدهشة؟

A watch on a surface

Description automatically generated with medium confidence
A picture containing person, outdoor, building, sky

Description automatically generated

كم شخصا على كوكب الأرض حصل أو يتمنى أن يحصل على هذه الساعة الأنيقة وبهذا السعر الرخيص، والتي حطمت الترتيب الطبقي المعروف في عالم ساعات اليد.

لقد بات العالم للأغنياء فقط، ويقدم لهم كل أنواع الراحة والرفاهية وأحيانا الإفلات من العقاب، ليعيش الشخص الثري كأنه أشبه بالإله، فلا يحصي أمواله لكي ينعم برحلة أو يشتري شيئا أو يحصل على خدمة، بل وقد يحصل على الكثير من الأشياء المجانية لأنه غني، فيما يدفع الفقير قيمة كل شيء، ويرهق ذاته لتوفير متطلبات أساسية، ولا يفوز في أي مسابقة.

في بلادنا لا تتنازل أي شركة أو جهة - فيما أدركت - عن معدل أرباحها الكبير جدا، وتتوحش لحصد المزيد من المكاسب التي يجب أن تتزايد باستمرار، دون رادع أو بعض من الرحمة، كل ذلك لكي يعيش أصحابها في رفاهية غير متناهية ويظلون في أعلى السلم الطبقي هم وأبنائهم.

لا أنسى أبدا إعلان إحدى الشركات عن إنشاء مدينة سكنية مميزة توفر شقق بأقساط تصل قيمتها ل 25سنة، وهو ما دفع الناس جميعا لمحاولة الشراء في هذه المدينة المعجزة، لتحدث المفاجأة القابضة للقلب، فهذه الشركة تقدم هذه الأقساط بنفس القيمة لأي شقة في مدينة أخرى، أي أنك ستدفع لمدة 25 عاما نفس ما يدفعه من يحصل على شقة قسطها سنتان مثلا، كما أن الشقق الرخيصة غير متوفرة (قبل أن تتوفر) والمتاح هو الفيلات فقط، أما كيف يقنعونك بهذه الدعاية الفجة فعن طريق بعض التعقيدات والاستدراج اللحوح والحيل الجهنمية التي تنطلي على الكثيرين وباندفاع مجموعة من مندوبي البيع المظلومين الذين يحققون "التارجت" بأي شكل ولو بالتوسل، رغم أن صاحب الشركة ربما لو تبرع ببناء هذه المدينة وأهداها للناس بالمجان لن تقل ثروته كثيرا.

لا أنسى أيضا أن البائعين في الأسواق لا يتورعون عن ابتكار الحيل الخبيثة للحفاظ على مكاسبهم، فتخفيض السعر مستحيل بالنسبة لهم، فتشتري رغيف عيش بنفس السعر لكن حجمه يقل إلى النصف، وكذلك قرص الطعمية، وكوب الشاي على المقهى، وغيرها من الحالات الطاحنة.

لا أنسى الصراع المرير الذي خاضته أجيال مع سائقي التاكسي حول الأجرة، والتي كانت تجعل بعض السائقين يضاعفون السعر مرتين أو ثلاثة أو أربعة دون أن تأخذهم أي نظرة عطف لطالب جامعي أو سيدة منزل مرهقة أو رجل عجوز يمشي بالعافية.

لا أنسى أن بعض البنوك تفرض غرامة على المودعين الذين تقل حجم مدخراتهم عن مبلغ معين، أليس هذا شيئا غريبا؟ إذا كنت غنيا وأموالك تنمو في رصيدك البنكي لن يتم تحصيل أي غرامة عليك، بينما تم إعداد النظام للتربص بالفقير الذي تقل مدخراته ويواجه مشاكل صعبة، لاستحلاب أمواله، وقد يدفع غرامة عقابية مجنونة لأن رصيده أصبح صفر.

تتحرك هذه الوحشية الاقتصادية في جميع الطبقات لتصل حتى إلى بائع الخضروات وسائق الميكروباص والبقال لتبنى هذه الحلقة غير المنتهية من القسوة بين الناس وبعضها وتضيع معاني التسامح والرحمة والتكافل.

ساعة اليد التي انتشرت في أرجاء العالم سعرها 260 دولارا فقط، والنسخة المترفة منها سعرها يفوق 6000 دولار.

ما الذي يمنع الشركات والمنتجين في أنحاء العالم وفي بلادنا من تطبيق هذه الفكرة في كافة السلع وخاصة التي تهم الإنسان البسيط وتقلق راحته لصعوبة الحصول عليها، تخيل معي ثلاجات أو بوتاجازات أو تكييفات أو أثاث أو.... الخ بسعر رخيص وجودة عالية، يتم إنتاجه بكميات كبيرة لتحقيق الربح للمنتج وللمستهلك، تخيل معي أن تتخلى أحد الكمبوندات السكنية عن الإعلانات باهظة التكلفة والمصاريف المرتفعة الفجة وتقدم شقق بسعر معتدل حقيقي فتبيع كل الوحدات في زمن قياسي ويسعد الجميع.

لا زلت مقتنعا أن المنتجين في بلادنا يتبعون الطريق الخطأ وهو إنتاج محدود بسعر مرتفع جدا لتحقيق الربح المضمون مبكرا، وهو ما يجعلنا في دوامة السلع صعبة المنال، وجمود السوق، ويزيد من يأس وحنق الفقراء، لأنهم ونحن ندرك أن الحلول متوفرة لكن الجشع يقتلها.