رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمهات الأنبياء: أم موسى عليه السلام

أم موسى عليه السلام
أم موسى عليه السلام

لا يذكر القرآن شيئًا عن والد موسى عليه السلام، وإنما يخص بالذكر أمه، ويكل إليها أمر حماية وليدها حين استبد فرعون ببني إسرائيل فأذلهم واستعبدهم وراح يسومهم سوء العذاب، وولد موسى إذ ذاك خفية بعد أن ذبح فرعون في طلبه سبعين ألف ولد على ما يقولون، فارتجفت أمه رعبًا وأشفقت القابلة على أمه ووليدها فلم تخبر أحدًا لكن عيون فرعون كانت في كل مكان فاندفعوا يقتحمون الدار لولا أن لمحتهم أخته مريم فهمست لأمها:

- أماه الحرس بالباب.

 لفت الأم ولدها في خرقة وألقته في جوف التنور دون أن تشعر، ثم دخل الحرس فوجدوها ساكنة مطمئنة، فقالوا لها:

- ما أدخل عليكِ هذه القابلة؟

 قالت لهم:

- هي زائرة لي 

فانصرفوا عنها، ودارت عينا الأم تبحث عن ولدها وبدا لها أنها لن تستطيع إخفاء الصغير فأوحى الله إليها "أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم، فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له".

واستجابت لوحي السماء فاتخذت تابوتًا وجعلت فيه قطنًا وأرضعت وليدها وأرقدته في التابوت وأحكمت عليه الغطاء وألقت به في النيل.

 وظلت عيناها تتابع التابوت الذي تقذفه الأمواج وتمضي به بعيدًا وقد أدركت بعد فوات الأوان أنها خلصت ولدها من سكين الظالم لتلقي به إلى أفواه الحيتان.

ولبثت مكانها على الشاطئ لا تقوى على مغادرته حتى افتقدتها ابنتها مريم فجاءت تتلمسها هناك ثم أنزل الله سكينته عليها فأمسكت عبرتها وكتمت لوعتها، وانطوت على نفسها صابرة مستسلمة داعية خاشعة.

 وتمضي الأمواج بموسى إلى روضة عند قصر فرعون فلما لمحت الجواري الصندوق التقطنه وانطلقن به إلى السيدة "آسية" ثم فتح الصندوق فإذا الصغير الجميل يرفع إلى السيدة آسية وجهه مشرقًا بابتسامة وضيئة ولم يكن لها ولد فما ـأروعها هدية يقدمها القدر إلى أمومتها المحرومة.

 وجاءت إلى فرعون فهتفت به:

- قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا 

فكان جوابه:

- قرة عين ل ، أما أنا فلا حاجة لي، ثم استدرك بعد لحظة:

- لا بل يذبح

 فظلت ترجوه حتى وهبه لها، وانطلقت والدنيا لا تسعها من فرط غبطتها.

أما مريم أخت موسى عليه السلام فقد خرجت تلتمس أثر أخيها وعرفت أن ربة القصر تبنت غلامًا رضيعًا يأبى المراضع فتتقدم إلى القصر في حذر وتقول:

- هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون 

فقالوا لها:

-لعلك تعرفين أهله وإلا فما يدريك أنهم له ناصحون

 فتقول لهم:

- كل ما أعرف أن فيهم طيبة ورحمة، وسوف يرحبون بحضانة الصغير شفقة عليه وتقربًا من الملك والتماسًا لبره.

 فتبعوها إلى بيت أم موسى فلمحته وأقبلت على الرضيع متماسكة فضمته إلى صدرها في رفق وألقمته ثديها فإذا به يلقف الثدي في لهفة الظامئ فرضع حتى ارتوى، ولما علمت السيدة آسية بالخبر طلبت من أم موسى أن تبقى في القصر لإرضاع الوليد والعناية به ولكن أم موسى تطلب منها أن تصحبه معها إلى بيتها ترضعه وترعاه لأنها تخشى إن هجرت بيتها وولدها أن يضيعوا.

ولم تجد آسية مفرًا من إجابة طلبها حرصًا على حياة الوليد يقول الله عز وجل "إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ" 

وهكذا نزل الوحي على أم موسى، وعهدت إليها السماء بالمهمة الجليلة: مهمة إنقاذ الوليد المدخر لإحدى الرسالات الكبرى من المذبحة التي لم ينج منها غلام لبني اسرائيل إذ ذاك.