رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لهذه الأسباب يعد كتاب "فى ظلال القرآن" أشد تكفيرًا من "معالم فى الطريق"

سيد قطب - ارشيفية
سيد قطب - ارشيفية

يعد كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" مانفيستو الجماعات التكفيرية ودليلها الإرشادي إن صح التعبير، وهو الكتاب الذي تسنى لسيد قطب أن يكتبه بالكامل خلال سجنه عام 1954 والذي أمضاه في مستشفي ليمان طرة، واستطاع تهريبه من خلال شقيقته "حميدة قطب". بل والأدهي وعلي الرغم من منع الأوراق والأقلام لبقية المساجين في تلك الفترة، إلا أنه سمح لسيد قطب ووفرت له إدارة السجن الزوراق والأقلام والمراجع.

وفي كتابه "تاريخ جماعة الإخوان.. المسيرة والمصير"، يشير مؤلفه المفكر الراحل د. رفعت السعيد إلي أن سيد قطب بدأ خلال هذه الفترة 1954 في إعادة النظر في كتابه الأشهر "في ظلال القرآن"، حيث أعاد تنقيح ثلاثة عشر جزءا منه، وأعاد تنقيحها علنا وأخرجها من السجن علنا، لتطبع وتوزع علنا، هو أمر لم يتكرر لأي سجين آخر بل إنه كتب خمسة كتب جديدة (وهو ما يدحض أكاذيب وإفك جماعة الإخوان الإرهابية عن التعذيب في سجون عبد الناصر) كتبها في السجن وأخرجها من السجن وطبعت ووزعت علنا وهي: هذا الدين ــ المستقبل لهذا الدين ــ الإسلام ومشكلات الحضارة ــ خصائص التصور الإسلامي ومعالم في الطريق.

ويؤكد "السعيد": الغريب أن مراجعة كتاب "في ظلال القرآن" كانت تتم من أجل إضافة الفكر الجديد الأكثر تطرفا، يقول المرشد الخامس للإخوان مصطفي مشهور في حوار له:"بدأت ألفاظ الجاهلية والحاكمية تظهر في كتابات سيد قطب عندما كان يعد تفسيره "في ظلال القرآن" للطبعة الثانية أثناء وجوده في السجن حيث تأثر بكتابات أبو الأعلي المودودي وأضاف هذه الألفاظ إلي الظلال".

ويعد كتاب "في ظلال القرآن" عمل سيد قطب العمدة، وفيه تتجسد ملامح "معالم في الطريق". ويتساءل السعيد:"ولست أدري لماذا تشبث الجميع بمعالم في الطريق وحده؟ ربما لأنه أصغر حجما أو أكثر انفعالا ووضوحا، أو لطابعه الخطابي الذي يطغي علي البحث الفقهي المتأني، ففي كتاب "في ظلال القرآن" نجد عبارات كاملة أعيدت كتابتها في "معالم في الطريق"، ونقرأ من "في ظلال القرآن": الجاهلية ليست اسما لمرحلة تاريخية سابقة علي الإسلام، بل إنها تنطبق انطباقا حرفيا علي كل وضع بصرف النظر عن اعتبارات الزمان والمكان، إذا كان الوضع مشابها لتلك المرحلة التاريخية السابقة علي الإسلام". 

ويعقب السعيد: ثم نجد عبارة نقلت حرفيا تقريبا إلي "معالم في الطريق": يدخل في المجتمع الجاهلي٬ كل مجتمع ملحد كالدول الشيوعية، وكل مجتمع وثني كالهند وأواسط إفريقيا واليابان والفلبين، وكل مجتمع كان أو لا يزال من أهل الكتاب كالمجتمعات الرأسمالية عموما. وتدخل أيضا تحته تلك المجتمعات التي خلفت المجتمعات الإسلامية وورثت أرضها وديارها وأسمائها. أي تدخل في هذا الإطار لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، ولأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضا، ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها تدين بالعبودية لله وحده، في نظام حياتها فهي وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله، تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله وتتلقي من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها.

ويقول سيد قطب أيضا في كتابه "في ظلال القرآن": إن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده، ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته، ولو قدمت الشعائر التعبدية له وحده، إن المشقة الكبري التي تواجه حركات الإسلام الحقيقية تتمثل في وجود أقوام من الناس من سلالات المسلمين في أوطان كانت في يوم من الأيام دار للإسلام يسيطر عليها دين الله، وتحكم بشريعته، ثم إذا هذه الأرض، وإذا هذه الأقوام تهجر الإسلام حقيقة وتعلنه اسما، وإذا هي تتنكر لمقومات الإسلام اعتقادا وواقعا وإن ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقادا.

ويشدد د. رفعت السعيد علي أن: عند المقارنة بين كتابي سيد قطب "معالم في الطريق" و"في ظلال القرآن"، نجد عبارات كاملة منقولة حرفيا من الظلال إلي المعالم مثل: ومن ثم تواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه. تواجه بالقدوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات، وتواجه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها، تلك التي تحول بين جمهرة الناس وبين التصحيح بالبيان للمعتقدات والتصورات، وتخضعهم بالقهر والتضليل وتعبدهم لغير ربهم الجليل.

وبالفحص والتدقيق والمقارنة بين كتابي "معالم في الطريق" و"في ظلال القرآن" نكتشف أن أربعة فصول علي الأقل من كتاب المعالم مستخرجة نصا من "في ظلال القرآن" وهي: الفصل الثاني "طبيعة المنهج القرآني"، الفصل الثالث "نشأة المجتمع المسلم وخصائصه"، الفصل الرابع "الجهاد في سبيل الله"، الفصل الثامن "التصور الإسلامي والثقافة". ومن الاقتباسات الحرفية أيضا التي نقلها سيد قطب من كتاب في ظلال القرآن إلي كتاب "معالم في الطريق: إن الأمة الإسلامية قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض.

وجود الأمة الإسلامية يعتبر قد انقطع منذ قرون، فالأمة الإسلامية ليست أرضا كان يعيش فيها الإسلام، وليست قوما كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي، إنما الأمة الإسلامية جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي. وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض.