رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«رفض أن يكون رئيسًا للإخوان».. رحلة فى حياة كمال الجنزوري (بروفايل)

كمال الجنزوري
كمال الجنزوري

صاحب المواقف الوطنية في أصعب مرحلة سياسية وأمنية ووطنية في تاريخ مصر، إنه كمال الجنزوري الذي استطاع أن يصمد ويقف بحكومته أمام جماعة التطرف والإرهاب "الإخوان" الذين سعوا كثيرا لإقالته من منصبه كرئيس للوزراء وخرجوا في عدة تظاهرات ومارسوا ضغوطا أمنية وسياسية لزعزعة الحكومة المصرية التي كان يقودها.

ليس هذا فقط، فقد كشف مصطفى بكري، النائب والسياسي البارز، عن أنه "خلال آخر زيارة له (للجنروري) في مستشفى وادي النيل منذ عدة أشهر قال لي: أوصيكم بالوقوف مع الرئيس عبدالفتاح السيسي ودعمه، فهو مخلص ونزيه وسيبني مصر من جديد".

ولفت بكري إلى أن الجنزوري أبلغه بأنه رفض عرضا من محمد مرسي وسعد الكتاتني عندما قاما بتهنئته في أول يوم لتوليه رئاسة الحكومة في 6 ديسمبر 2011، وكان العرض يقول إن الإخوان مستعدون لدعمه في الترشح لانتخابات رئاسة الجمهوريه مقابل تعيين القيادي الإخواني خيرت الشاطر نائبا للرئيس، لكنه رفض ذلك وقال: "أنا لا أتطلع لأكثر مما أنا فيه".

تمنوا كثيرا وفاته فغرّدوا ونشروا شائعات عديدة عن وفاته، إلى أن وافته المنية صباح أمس الأربعاء، بعد رحلة ومسيرة مليئة بالوطنية والثبات ومواجهة التحديات، تاركا مسيرته المشرفة باقية في تاريخ مصر الحاضر والمستقبل، بعد صراع طويل مع المرض.

يقول الجنزوري، فى مذكراته التى وردت بكتاب "طريقى.. سنوات الحلم.. والصدام.. والعزلة.. من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء"، إنه "فى أبريل 1993، تصاعد الموقف مع الجماعات الإسلامية، وقت أن كان اللواء عبدالحليم موسى وزيرا للداخلية، ورأى أنه من المفيد التهدئة مع هذه الجماعات، وأن تتم المصالحة للحد من صور العنف، وما لها من أثر كبير على الاستقرار السياسى والاقتصادى خصوصا الاستثمار والسياحة.. واستأذن اللواء عبدالحليم موسى الدكتور عاطف صدقى ووافقه على ذلك، ولكن بعد فترة حين نشر عن محاولة للمصالحة بين الداخلية وبين بعض الجماعات الإسلامية، وعلم الرئيس بها، وهو ما كان محل رفض، لأنه رأى أن هذا قد يعطى انطباعا للرأى العام والجماعات بأن الدولة فى وضع ضعيف، فسأل الدكتور عاطف صدقى: كيف تم ذلك؟ فأجاب إنه لا يعلم، رغم أن اللواء عبدالحليم موسى أكد أنه استأذنه.

وعلى هذا قرر الرئيس خروج اللواء عبدالحليم موسى من الوزارة وتعيين اللواء حسن الألفى بدلا منه.

ولفت الجنزوري إلى أن ثمة أمرًا آخر فى مذكراته "مرتبط بتعيين الدكتور يوسف بطرس وزيرا، فلقد كان الدكتور عاطف صدقى حريصا كل الحرص منذ البداية على ذلك، رغم صغر سنه مع قلة خبرته على توليته مثل هذا المنصب، وكان الرئيس يرى أنه لم يتهيأ بعد للفوز بهذا المنصب، رغم محاولات رئيس الوزراء، ولكن يوم خروج اللواء عبدالحليم موسى، عرض الدكتور عاطف صدقى على الرئيس أنه إذا كنا نريد أن نرسل رسالة إلى الجماعات الإسلامية بأن الدولة تملك القوة لحماية استقرار الأمة بالقانون، أن ينضم إلى الوزارة الدكتور يوسف بطرس بصفته مسيحيا، كما أنه سيسند إليه اختصاصات محدودة.. وأذكر أننى علمت بشكل مؤكد أن الرئيس عند أداء الدكتور يوسف بطرس اليمين لتولى المنصب، قال له إن الدكتور عاطف صدقى حاول مرات كثيرة ولكنه نجح هذه المرة، ويجب عليه أن يعلم أنه أتى مبكرا عما يجب".

ولد الدكتور كمال الجنزوري، رئيس وزراء مصر الأسبق، في قرية جروان بمركز الباجور بمحافظة المنوفية، في 12 يناير 1933، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ميتشجن الأمريكية، وشغل العديد من المناصب بالدولة المصرية، حيث سبق أن شغل منصب محافظ الوادي الجديد، ثم محافظ بني سويف، وأسندت له إدارة معهد التخطيط القومي، ثم أصبح وزيرًا للتخطيط، ثم نائبًا لرئيس الوزراء.

قبل رئاسة الوزراء
شغل منصب محافظ الوادي الجديد ثم محافظ بني سويف، قبل أن يدير معهد التخطيط القومي، ثم يصبح وزيرًا للتخطيط فنائبًا لرئيس الوزراء.

وتولى الدكتور الجنزوري رئاسة الوزراء لأول مرة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، خلال الفترة من 4 يناير 1996 إلى 5 أكتوبر 1999.

لم تكن تلك أحد مناصبه القليلة بل له تاريخ طويل مشرف مليء بالاجتهاد والعمل، حيث شغل منصب عضو مجلس إدارة أكاديمية السادات للعلوم الإدارية، بالإضافة إلى أنه كان عضو مجلس إدارة أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ومنصب عضو هيئة مستشاري رئيس الجمهورية، وعضو المجالس القومية المتخصصة للإنتاج والتعليم والخدمات، وقام بالتدريس في الجامعات المصرية ومعاهد التدريب كأستاذ بمعهد التخطيط القومي 1973، ووكيل وزارة التخطيط عام 1974- 1975.

وتقلّد عدة مناصب مهمة منها:
محافظ للوادي الجديد عام 1976.
ومن ثم محافظ لبني سويف عام 1977.
ومدير معهد التخطيط القومي عام 1977.
ليتم تعيينه لاحقا وزيرا للتخطيط عام 1982.
ثم وزيرًا لوزارة التخطيط والتعاون الدولي في يونيو 1984.
ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط والتعاون الدولي في أغسطس 1986.
ومن ثم نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط والتعاون الدولي في نوفمبر 1987.
وفي عام 1996 تم تعيينه رئيس مجلس الوزراء يناير لمدة 4 سنوات، ليعود بعدها في عام 2011 كرئيس مجلس الوزراء في أشد المراحل الأمنية والسياسية والاقتصادية صعوبة بتكليف من القوات المسلحة المصرية.
ومن ثم عين كمستشار لرئيس الجمهورية عدلي منصور للشئون الاقتصادية في 2013.

وعقب أحداث ثورة يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، كلفه المجلس العسكري بتشكيل الحكومة حيث أدى اليمين الدستورية في ديسمبر 2011، واستمر فيها حتى يونيو 2012.

وقد واجه عقبات عديدة بسبب جماعة الإخوان الذين سيطروا على مجلس الشعب وانهالوا عليه بالتهديدات والشائعات والتحريض والمطالب.

حيث أعلن خيرت الشاطر في عام 2012 أن الجماعة تريد إقالته من منصبه هو وحكومته، وأنهم قادرون على تشكيل حكومة ائتلافية.

لم يلتف الجنزوري لمحاولات الاخوان رغم أنه كان يعمل في ظل فترة شديدة الصعوبة لما كانت تواجهه من مصر من تحديات وأزمات مختلفة، إلا أنه وقف يعمل في سبيل الوطن محاولا عدم الالتفات للعقبات التي سعى الاخوان لوضعها بشدة أمامه.

لم يواجه الدكتور كمال الجنزوري تحديات الوطن فقط بل ما كانت تفعله الجماعة الارهابية من خلق للفوضى وزعزعة للأمن، وتنظيم تظاهرات دورية، والتهديد بالتصعيد بدفع مظاهرات كبيرة للمطالبة برحيل حكومة كمال الجنزوري.

وفي 25 يونيو 2012، عقدت حكومة الدكتور كمال الجنزورى، بكامل هيئتها، اجتماعًا عاجلًا بمقر الحكومة المؤقت بمدينة نصر، بناءً على دعوة الدكتور الجنزورى، بعد إعلان نتيجة انتخابات رئاسة الجمهورية وفوز مرشح الإخوان محمد مرسى بمنصب الرئيس، حيث تقدمت باستقالتها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتولت تسيير الأعمال حتى تسليم السلطة في 30 يونيو من العام نفسه.

واستطاع الدكتور الجنزوري، خلال رئاسته الوزراء في حقبته الأولى، إقامة مشروعات ضخمة ساهمت في تسريع عجلة الإنتاج والزراعة والأمن الغذائي على الرغم من الأزمات والتحديات الاقتصادية التي واجهت مصر في تلك الفترة، منها: مشروع توشكى، وشرق العوينات، إضافة إلى توصيل المياه إلى سيناء عبر ترعة السلام، ومشروع غرب خليج السويس.

واتسم بالحكمة والوطنية، وكانت له خبرة طويلة، فقد شغل منصب رئيس وزراء مصر عندما كلفه المجلس العسكري الحاكم بتشكيل الحكومة في 25 نوفمبر 2011، وكان قد تولى رئاسة الوزارة قبل ذلك بالفترة من 4 يناير 1996 إلى 5 أكتوبر 1999، وهو صاحب فكرة الخطة العشرينية التي بدأت في 1983 وانتهت عام 2003، ودخلت مصر بعد ثلاث خطط خمسية مرحلة الانطلاق.

من جانبه، نعى الرئيس عبدالفتاح السيسى، الدكتور كمال الجنزوري رئيس وزراء مصر الأسبق.

وكتب الرئيس السيسى، عبر حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي: "فقدت مصر اليوم رجل دولة من طراز فريد، هو الدكتور كمال الجنزوري رئيس وزراء مصر الأسبق".

وأضاف الرئيس: "كان الراحل بارًا بمصر، وفيًا لترابها وأهلها، وصاحب يدٍ بيضاء في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية، وكانت له مكانته العلمية، ورؤيته الحكيمة، وقدراته القيادية المتميزة والناجحة، فضلًا عن أخلاقه الرفيعة العالية، وتفانيه وصدقه وإخلاصه في مراحل مصيرية وحاسمة من تاريخ هذا الوطن".

واختتم الرئيس نعيه للجنزوري بخالص الدعاء بأن يرحم الله الفقيد الغالي، كما توجه بخالص عزائه لأسرته وأهله، داعيًا المولى، عز وجل، أن يلهمهم الصبر والسلوان.